المشاركات

عرض المشاركات من 2022

اليوم 176 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
  فشل القلب الانبساطي من الدرجة الثالثة. كررها من فضلك، لكن ببطء.  فشل.. القلب.. الانبساطي.. من.. الدرجة.. الثالثة. لا أستطيع سماعك جيدًا بسبب صوت ضربات قلبي الذي تهتز له طبلتا أذنيّ. هل أنت متأكد؟ متأكد تمامًا؟ نعم، تبدو لي نتائج الجهاز دقيقة فعلًا. حسنًا، هذا يتركنا إذن مع حقيقة أن لديّ فشل القلب الانبساطي.. آه، من الدرجة الثالثة.. صحيح. وكم درجة هنالك؟ أربعة؟ همم، تريد أن تقول إذن إنني على شفا الدرجة الرابعة التي لا رجعة منها؟ نعم، أفهم ما تعنيه، لا لا، لا تتأسف من فضلك، ولا تشفق عليّ. فقط عِدني أن ينتهي كل ذلك سريعًا.

اليوم 167 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
لطالما مثّل لي الموت -كما ينبغي له- أزمة وجودية. أرى أن الموت يجب أن يمثّل لكل من يملك عقلًا بشريًا أزمة من نوع ما. أذكر حين كنت في السابعة، أجلس في السرير الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أحدّق في جسد شقيقتي النائم بجواري، ويخبرني الصوت في رأسي: "لقد ماتت! إنها ميتة!"، فأبدأ في الهلع، وأتخيل أن جسدها ساكن، وأن صدرها لا يتحرك مع كل شهيق وزفير، ثم أبدأ في هزّها لتستيقظ. أردد: "إيمان، إيمان، اصحي".  ولأن شقيقتي عنيدة -وأيضًا عميقة النوم- فقد كانت تأبى الاستجابة لكل نداءاتي وتوسلاتي لها بأن تستيقظ، فأبدأ حينها في البكاء، وتصديق أنها قد ماتت لا محالة، وأبدأ في التفكير في معضلة إخبار أمي وأبي بخبر وفاتها في الصباح. أعرف أن كثيرًا من الأطفال مروا بذات الموقف، الأطفال ميلودراميون كما تعرف. ولكن، في الحقيقة، لم يتغير شيء للآن وأنا في الرابعة والعشرين. لا زال ذلك الهاجس يؤرقني، أعني، أرى أن كل كائن حي واعٍ بوجوده يجب أن يُقَضّ مضجعه كل ليلة بهذا الموضوع، إلا إذا كنت تُجيد تشتيت نفسك عن تلك الحقيقة، ربما بالتصديق في وجود أحد الآلهة، أو بممارسة اليوجا، أو بشرب الكحول بكميات غير...

اليوم 162 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

اليوم أكره كل شيء وكل شخص. عليّ الاستيقاظ باكرًا للحاق بالعمل، قلبي يقفز داخل صدري ب شكل زائد عن المعتاد اليوم. أكره هاتفي البطيء جدًا، أكره وجهي في المرآة، وتلك الانتفاخات تحت عيني، أكره ارتداء كمامتين فوق بعضهما البعض، أكره نظارتي التي تنزلق من فوق أنفي كل نصف دقيقة لتقع على الأرض، أكره حقيقة أن أمي لم تزل لها يدًا في قراراتي، أكره ذلك المرض وذلك الجسد الواهن، أكره تلك الآلام في ذراعي الأيسر ورقبتي، أكره قلبي بكل ما أوتيت من قوة، أمقت هذا البلد، هؤلاء الناس. أكره حتى قصة شعري، شعري الطويل كان بمثابة ميزتي المرئية الوحيدة، والآن وقد تخلصت منه، أشعر أنني فتى في التاسعة من عمره، وفقداني المستمر للوزن لا يحسن من هذا الوضع أيضًا.  أود أن أضع وجهي بين راحتيّ، فتتدحرج عيناي خارج محجريهما، فأدلكهما قليلا، ثم ألقي بهما في القمامة.  أكره عينيّ. كنت أقول إنني أكره هذا البلد منذ قليل، وأظن أن آلهة العالم السفلي التي تتحكم في هذه البقعة الجغرافية قد سمعتني، فلوّح أنوبيس بصولجانه غاضبًا، ليغلق الطريق المتجه إلى أكتوبر من الهرم (الطريق الصحراوي) بزحام من ذلك الذي يتحول فيه الشارع إلى جراج ...

اليوم 159 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
  لا أدري لِمَ على المرء دومًا إيجاد جانب ايجابي في كل شيء. أمقت تلك الطريقة في النظر للأشياء، على منهاج: لقد كسرت ذراعي، لكن على الأقل حظيت بتجربة جديدة لم أجربها من قبل. لقد خسرت عملي، لكن على الأقل زوجتي تحبني. أحتاج لإجراء عملية في القلب، لكن على الأقل الشمس جميلة اليوم. لِمَ لابد دومًا أن تكون هناك "لكن"؟ لِمَ لا نأخذ الأمور كما هي؟ لِمَ لابد من نثر الجليتر على الأشياء غير السارة؟ حتى لا نجن؟ هل نحن هشون إلى هذه الدرجة؟ أو في الحقيقة، ربما لا نقول ذلك من أجلنا نحن، بل من أجل من نعيش معهم في مجتمعاتنا الصغيرة. الناس ينتظرون دومًا الجزء المضحك من النكتة، الپانش-لاين في نهاية أي حديث قصير أو طويل يتبادلونه فيما بينهم، شيء يضع ابتسامة على وجوههم في بداية اليوم بعد تناول القهوة مثلًا، أو ذلك الذي سيجعلهم يشعرون أن كل شيء في عالمهم على ما يرام.  أنا لا أريد نثر قصاصات الورق الملون على ظروف حياتي الحالية. الوضع مزر، هذه حقيقة، ولن أضيع الاكسجين في محاولات لتجميل ما يحدث، أو البحث عن الجانب الإيجابي في كل ذلك، حتى لا يشعر الناس بالاحباط من التواجد حولي. "أنا مريضة جدا"...

اليوم 144 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  «هل تذكر الليلة التي تقابلنا فيها؟ تلك هي الليلة التي أدركت فيها أنك حيواني الأليف». توم ويتس يغني الآن، وأنا أكتب هذه الكلمات. أمس، أخبرني مديري في عملي الجديد أنهم قد اتخذوا قرارًا بفصلي قبل نهاية فترة الاختبار، لأنني "not promising" على حد قوله. أخبرني أن ما يتطلب 4 ساعات من العمل، يأخذ مني يومين، وأن ما يتطلب ساعة لفهمه، يتطلب مني يومًا كاملًا من الأسئلة والجهد الذهني. أخبرني أنني لا أنتمي إلى هنا، وأنه من الأفضل لو أنني بدأت في البحث عن مكان آخر قد يستفيد من مهاراتي بشكل أفضل. أخبرني أنني أضيع وقتي، وأضيع وقتهم. وها أنا ذا، أجلس أمامه في تلك الغرفة الضيقة للغاية، يفصل بيننا متر واحد على الأكثر، أنفاسي مكتومة بفعل الكمامتين اللتين أغطي بهما نصف وجهي، والغرفة الضيقة تخنقني أكثر وأكثر، أبدأ في التعرق، أوشك على البكاء، ها هي غصة الحلق. أحاول أن أشرح له طبيعة مرضي، أحاول أن أشرح أن عقلي تغطيه غمامة تمنعني من التفكير بشكل واضح، لقد قالها أحد العلماء من قبل:  « كوفيد طويل الأمد يجعلك غبيًا قليلًا » . أحاول أن أشرح لماذا تستغرق الأمور وقتًا طويلًا معي، ربما لأن قلبي يؤلمني، مف...

اليوم 133 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

ارتعاشات الجسم اللاإرادية أقوى من المعتاد اليوم، بعد أن سمحت لنفسي بتناول وجبة مليئة بالكوليسترول والجلوتين وكل ما هو ضار من مكدونالدز اللعين. المشكلة أن الطعام ليس لذيذًا حتى، لكنه يبدو كذلك. ضغط دمي اليوم منخفض للغاية، 80/50.  ذهبت إلى القاهرة الجديدة لرؤية طبيبة كهرباء القلب تلك، التي يقسم باسمها عشرات من المرضى. رسائل حب وتقدير هنا وهناك على صفحتها على فيسبوك، من أشخاص يقولون إنها أجرت لهم عمليات مثل كوي البؤر الكهربية في القلب وما إلى ذلك. سألتني الطبيبة في شيء من الاستهزاء: "مش بتعملي رياضة ليه؟ انتي ليه مستسلمة لكورونا كده؟" أنا؟ مستسلمة لكورونا؟ لم أعرف بم أرد، فقط لو أنها قرأت تدوينة واحدة من عشرات التدوينات هنا..

اليوم 132 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

باختصار: لست بخير.

اليوم 131 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

And I am the idiot with the painted face In the corner, taking up space But when he walks in, I am loved.

اليوم 130 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  لم أكتب بالأمس، نعم، أدرك ذلك. قضيت الليلة الماضية في مستشفى القلب بالدقي. أصابتني نوبة من ضربات القلب غير المنتظمة، يسمونها SVT، وهي نوع خبيث من الاضطراب في كهرباء القلب، قد يسبب الموت القلبي المفاجئ في بعض الحالات، وفي معظم الحالات لا يسبب ذلك، ولكنه علامة على مشكلة قلبية. لم يكن قلبي على ما يرام منذ بداية اليوم أمس. ذهبت إلى العمل للمرة الأولى منذ أكثر من أسبوعين، فقط ليحدث لي ذلك.  كان لدي موعد مع طبيبة المخ والأعصاب، أظهرت تعاطفًا شديدًا مع حالتي، ووصفت لي أدوية جديدة، على أن أتابع معها خلال ثلاثة أسابيع. عند خروجي من العيادة، بدأت أشعر بأوجاع في صدري، وكأن هناك يدًا خفية تعتصر قلبي من الداخل. ألم لاسع يشتد حتى يصل إلى ذروته، ثم يهدأ. حاولت أن أمشي إلى أحد مراكز الأشعة لأطلب المساعدة، لكن قلبي كان يجن تمامًا بعد متر واحد من الحركة، ويكون عليّ أن أتوقف، وأن أضع يدي على قلبي لأتفقد سرعته.  حدث الأمر بشكل مفاجئ، كنت أقف في الشارع ألتقط أنفاسي أمام عيادة الطبيبة، فقط لأشعر بذلك الألم اللاذع في موضع قلبي، ثم بنوع من الرفرفة، وكأن هناك طائرًا يهز جناحيه في صدري، ضربات سر...

اليوم 129 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

A well-spent night in the ER. 

اليوم 128 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  لن أقول الكثير اليوم. أنا فقط سعيدة بمرور الأيام، فهذا يعني أنني أقترب من الرقم المنشود: تسعة.  تسعة شهور هي الفترة التي استغرقها جسدي للتخلص من الضرر اللعين الذي تسببت فيه كورونا في أول إصابة لي منذ عامين. سأكتفي بقول إنني ذهبت اليوم لإجراء فحص الموجات فوق الصوتية على القلب بالمجهود الدوائي، لمعرفة إذا ما كانت الحالة الوراثية في قلبي هي السبب في هذه الأعراض التي أشعر بها الآن، وإذا ما كنت سأقدر على ممارسة الرياضة أبدًا. كان الفحص مؤلمًا، لا زلت أشعر بصداع يعتصر صدغيّ رأسي. يقومون بحقن دواء معين في الوريد، من شأنه أن يقوم بتسريع ضربات قلبك إلى الحد الأقصى، نتحدث عن 200 ضربة في الدقيقة مثلًا، ويقومون أثناء ذلك بمراقبة نشاط قلبك تحت تأثير هذا المجهود الهائل باستخدام الموجات فوق الصوتية ومخططات رسم القلب.  قامت الممرضة بحقن الدواء في وريد يدي اليسرى في لحظة، وفقد قلبي عقله في اللحظة التالية، كان جسدي بأكمله ينتفض مع كل خفقة، وكنت أشعر بالدماء وهي تندفع بقوة في شرايين مخي، كل دقة قلب كانت تتسبب في ألم شديد نابض في رأسي. كان الأمر أشبه بالإصابة بـ aneurysm مصغرة. على أية حال...

اليوم 127 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
أهلًا من جديد. يوم آخر يمر في هذه المأساة الإغريقية. ذهبت اليوم -كما تعلمون- لإجراء رسم العضلات والأعصاب في تلك العيادة المغمورة في شارع مراد. كنت لأقوم بإجراء الفحص في واحد من تلك المراكز الكبيرة المعروفة، لكن الطبيبة نصحتني بهذا المركز بالذات. تقول أمي إن الطبيبة تأخذ نسبة من الأرباح إذا قامت بتوجيه مرضاها إلى هذه المراكز، أخبرتها -أمي- أنني لا أمانع إذا حصلت الطبيبة على  « قرشين زيادة»  في هذا الوضع الإقتصادي الحرج. قمنا بركن السيارة على مسافة 400 مترًا من مكان المركز، من الصعب العثور على سنتيمتر واحد شاغر في هذا البلد هذه الأيام.  قلبي مجنون تمامًا، لا أستطيع المشي مترين من دون التوقف لالتقاط أنفاسي، والشعور بأن كلًا من كتفيّ وذراعي الأيسر يحترق من الداخل. كانت أمي تسبقني أمتارًا عديدة، ثم تلاحظ أنني لست على مرأى منها، فتقف قليلًا تنتظر أن ألتقط أنفاسي وألحق بها. كانت العيادة في برج مراد الإداري، وهو برج يضم واحدًا من أكبر تجمعات الأطباء في القاهرة. تدلف إلى المبنى لتجد أمامك جدارًا كبيرًا مغطى بأكمله بلافتات تحمل أسماء أطباء وعيادات ومراكز أشعة وتحاليل وأشياء أخرى....

اليوم 126 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
  أهلًا من جديد. تناولت صباح اليوم جرعتي الأولي من الناتوكينيز والسيرابيبتيز، على معدة فارغة كما تقول التعليمات على العلبة. هذا هو الدواء المعجزة الذي سمعت عنه الكثير من الأمريكيين من أعضاء مجموعة "Long Covid Support Group" على فيسبوك. يحظى كل من هذين الدواءين باهتمام بالغ في الفترة الأخيرة، وهناك بعض المحاولات المتواضعة لتوثيق تجارب الأشخاص الذين يتعاطونهما من أجل كوفيد طويل الأمد. رأيت على تويتر من فترة وجيزة حسابًا لباحثة أمريكية تقوم بتجاربها الخاصة على مجموعات من الناس الذين يتناولون الناتوكينيز والسيرابيبتيز، ودزينة أخرى من الأدوية والمكملات الغذائية، وقد نشرت نتائج تلك الدراسة المرتجلة جدًا في صورة رسوم بيانية وتخطيطات دائرية هنا .  المهم أنها قد وجدت أن المرضى يشعرون بتحسن ملحوظ عند أخذ جرعات كبيرة من الناتوكينيز زائد أو ناقص السيرابيبتيز. لم أشأ المخاطرة، لأن الناتوكينيز قد يسبب سيولة في الدم، فابتعت 2000 وحدة لكل قرص فقط. أما السيرابيبتيز، فقد قرأت صباح اليوم بعضًا من التجارب غير السارة لمرضى تعاطوا السيرابيبتيز وتسبب ذلك لهم في نزيف داخلي، أو مشاكل في الأمعاء، أو ت...

اليوم 125 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
  أهلًا من جديد. ليلة أمس، وصلتني نتائج بعض تحاليل الدم التي قمت بها يوم الأربعاء. تفاجأتُ بأن مستوى التروبونين في دمي مرتفع عن الطبيعي. كان الرقم 1.1 نانوجرام لكل مللي لتر يحدق فيّ من شاشة اللابتوب. من المفترض ألا يزيد التروبونين في الدم عن 0.04.  التروبونين هو بروتين يوجد في عضلات القلب، وإذا ارتفع منسوبه في الدم فإن ذلك يعني عدة أشياء غير سارة: إما أنك تعرضت لنوبة قلبية منذ وقت قصير، وإما أنك على وشك التعرض لنوبة قلبية، وإما أن هناك جلطة في رئتك، وإما أن هناك مشكلة في الكلى، وإما أن لديك فشل في القلب، وإما....  هناك أسباب عديدة، ولكن جميعها لا تسرّ الخاطر. قررت الذهاب إلى مركز أمراض القلب بالدقي لتقصي الأمر. ارتديت ملابسي وأخذت سيارة أجرة إلى هناك. قامت الممرضة بتثبيت أقطاب جهاز رسم القلب الكهربي على صدري، توطئة للقيام بالفحص. ثم  وضعتني بعد ذلك على جهاز monitor لقياس ضربات القلب والأكسجين في الدم. كل شيء يبدو طبيبعيًا حتى الآن، أعني، رسم القلب الخاص بي دائمًا ما تنتج عنه ورقة مكتوب عليها "Abnormal ECG"، الشيء الذي يثير فزع الأطباء في غرفة الطوارئ دومًا، قبل أن أه...

اليوم 124 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  أهلًا! إنه يوم خميس من جديد. كان يومًا لطيفًا بعض الشيء. لم يكن لطيفًا كَكُل، لكن بعضه كان لطيفًا. قضيت الليلة الماضية في حالة غريبة، وكأنني دخنت سيجارة ماريجوانا لتوي، لم أكن أشعر بالعالم حولي، لم أكن أفهم ما يحيط بي في غرفتي. هذه شماعة؟ لا تبدو لي كشماعة، لا يفهم عقلي أن هذه شماعة. أرى الأشياء لكني لا أفهم ماهيتها. استيقظت في السابعة صباحًا بدون سبب واضح، فقط أستيقظ بشكل عشوائي كل يوم على شهقة عميقة. ظللت في السرير طوال الصباح، أشاهد بعض الأفلام الوثائقية عن تاريخ مصر الحديث، وأهلوس بين الحين والآخر حين يغلب عليّ النوم. حجزت ميعادًا جديدًا لإجراء فحص القلب، يوم الإثنين. كما حجزت يوم الأحد موعدًا لإجراء رسم العضلات والأعصاب. ارتديت ثيابي، وذهبت إلى البنك في الدقي، لأتسلم راتبي. أخذت النقود وذهبت إلى "سعودي" ماركت، ذلك الماركت الكبير الذي -على ما يبدو لي- قد بدأ في اكتساح سلسة متاجر مترو مؤخرًا بكل تلك السلع المستوردة. لم أدخل ذلك المتجر منذ الأبد، لقد تغير كثيرًا. هناك طابق أرضي حيث ستجد التوابل والفواكه والخضراوات، وطابق ثانٍ غير الطابق الأساسي حيث ستجد أشياء مثل أدوات ال...

اليوم 123 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

مرحبًا. استيقظت اليوم وأنا لا أشعر بدقات قلبي بشكل فج مثل المعتاد. أستمتع كثيرًا بتلك الدقائق المعدودة التي لا أشعر فيها بدقات قلبي فور استيقاظي من النوم، لكن لا يلبث السيد Thor أن يستيقظ من سباته هو أيضًا، ويعاود الدق بمطرقته على صدري من الداخل. قضيت النهار في السرير، أفكر في طرق للحصول على المال من أجل الفحوصات وتحاليل الدم التي أحتاجها، ثم تذكرت أن مرتب الشهر الماضي (الذي لم أعمل فيه سوى أسبوعين قبل أن يضطرني كوفيد طويل الأمد إلى البقاء في المنزل) ينتظرني في البنك. اتصلت بالبنك لأستفسر عن حسابي، فوجدت أن به نقودًا بالفعل، تنفست الصعداء، على الأقل لن تعلن عائلتي إفلاسها بسببي. صرت أمثل عبئًا ماليًا ونفسيًا ضخمًا على عائلتي، لا أدري إلى متى سيتحملون قبل أن يكسرهم كل ذلك. هذا هو اليوم الثاني من دون بيزوبرولول، لم تعد دقات قلبي قوية فقط، بل سريعة أيضًا. هذا ما كان ينقصنا. ذهبت في المساء مع أمي إلى طبيبة المخ والأعصاب في شارع فيصل من أجل الاستشارة. قضينا ما يقرب من الثلاث ساعات نتجول في الشارع، تناولنا البطاطس المقلية (وهو تصرف غير مسئول، أعرف) حتى يحين دوري. قمت ببعض تحاليل الدم أيضًا، ...

اليوم 122 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  .

اليوم 121 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  مرحبًا. ذهبت ليلة أمس إلى طبيب القلب بدلًا من طبيب المخ والأعصاب. شعرت أن مشكلة الأعصاب تلك تستطيع أن تنتظر قليلًا (وأيضًا سيكلفني الكشف 700 جنيهًا بالأسعار الجديدة). أعني، إنه من المزعج بالتأكيد أن ترتعش عضلات جسدك بأكمله وتتحرك من دون أن ترسل لها إشارات عصبية لتفعل ذلك، أو أن تشعر بسكاكين تخترق جسدك، وسخونية بداخل ذراعيك، لكن السيد Thor الذي يقيم حفلة طوال اليوم بمطرقته في صدري أكثر إزعاجًا بصراحة. لذا، فقد قمت باختيار الذهاب إلى طبيب القلب ذاك. ذهبت مع أمي إلى تلك العيادة بجوار المعهد القومي للقلب، تقول اللافتة إن الطبيب عضو في جمعيات عدة، والمستشار الطبي لوزارة العدل (لا أدري ما يعنيه هذا حتى، ولكنه مهم)، كما أن طبيبة المناعة هي التي رشحته لي، وأنا أثق في رأي تلك المرأة. كانت العيادة مزدحمة، انتظرت ساعتين تقريبًا حتى دخلت إلى الطبيب. وقد كان الرجل لطيفًا في الحقيقة، استمع إلى كل الأعراض التي أشكو منها، أخبرته عن كل الأدوية التي أخذتها، وكيف أنني لم أتحسن أبدًا بعد آخر إصابة بكوفيد، ضعف العضلات، الرعشات، آلام الصدر، ضربات القلب القوية، نوبات ضيق التنفس، الكهرباء، وأكثر. أخبرته...

اليوم 120 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

صورة
  استيقظت الرابعة والنصف فجرًا بشهقة مفاجئة، وجلست في السرير أحاول استيعاب ما يحدث حولي. كنت في حالة ما بين الحلم والواقع، ولا أدري ما الذي يؤلمني بالضبط، لكني لا أشعر أنني بخير. مشيت مترنحة إلى حيث تنام أمي، كانت نصف نائمة حين أخبرتها أنني لست بخير، وأدركت حينها أن النصف الأيمن من وجهي ورقبتي متورم وينبض من الألم، وكذلك الغدد اللمفاوية في رقبتي، وقد امتد الألم إلى أسناني وأعلى رأسي. جلست على الكرسي المقابل للأريكة حيث تنام أمي وأنا أتأوه ألمًا، لا أدري ما مشكلتي، لا أدري مم أشكو بالضبط، إذا ذهبت إلى مستشفى وسألني الطبيب: "ما الذي يؤلمك بالضبط؟"، فلن أستطيع الإجابة بشكل قاطع، كل شيء يؤلمني، كل شيء في جسدي لا يؤدي وظيفته كما اعتاد أن يؤديها قبل كوفيد. لا زال قلبي يدق بقوة شديدة وبشكل غير منتظم، لا زال ذراعي الأيسر وأجزاء أخرى من جسدي تحترق من الداخل، لا زلت أصاب بنوبات ضيق تنفس، يصاب فيها جسدي بتشنجات وتنميل. لا زلت غير قادرة على المشي. لا زلت غير قادرة على العمل. لا تحسن في الأفق. وددت لو أن أستغل هذه الفترة في تحقيق أي نوع من الإنتاج الإبداعي، كتطبيق لمقولة أن الفن يولد من ر...

اليوم 119 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  مرحبًا من جديد. أكتب الآن والأوردة في رسغي تؤلمني. عدت للتو إلى المنزل، بعد زيارة فاشلة لطبيب المخ والأعصاب ذاك في ميدان لبنان. وصلت العيادة الساعة السادسة، لأجد أفواجًا من الناس في الانتظار، وأخبرتني موظفة الاستقبال أن أمامي خمسة عشر مريضًا سيدخلون قبلي، فبدا لي أنني سأنتظر طوال الليل، كما أن العيادة ضيقة للغاية، والناس يتنفسون في وجوه بعضهم البعض، فما كان مني إلا أن تركت لها نصف ثمن الكشف، على أن أدفع النصف الآخر بالغد، وطلبت منها أن تحجز لي موعدًا بالغد.  أتعرف؟ بدأت أعتقد أن تلك الإنفلونزا التي أصابتني منذ أسبوع كانت عدوى كوفيد جديدة، أعني، أنا لم أكن بخير أبدًا منذ إصابتي بكوفيد في يوليو الماضي، لكن يبدو لي أن حالتي قد زادت سوءًا على سوء من بعد تلك الإنفلونزا المزعومة. في الحقيقة، لقد ذهبت إلى المعمل منذ أسبوع، وأجريت مسحة كورونا الفورية، وقد كانت سلبية، لكن المسحة الفورية تخطئ أحيانًا، كان عليّ أن أجري اختبار الـPCR من أجل قطع الشك باليقين، لكني لم أكن أملك المال الكافي لذلك. إذا كان ما أصابني منذ أسبوع هو كوفيد بالفعل، سيكون ذلك محبطًا للغاية، سيتوجب عليّ أن أُصفّر ال...

اليوم 118 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  مرحبًا. ذهبت مساء أمس إلى طبيبة المناعة مع شقيقتي وزوجها، لكنها لم تفدني كثيرًا (كما توقعت). قالت الكثير عن القلق والفايبروماليجيا، وأن السرترالين كفيل بشفائي. قالت إن كوفيد طويل الأمد تنقصه الأبحاث والدراسات من أجل أن يعترف الأطباء به كتشخيص، وعندما سألتها إذا ما كانت قد قرأت بحثًا واحدًا من مئات الأبحاث الموجودة الآن عن كوفيد طويل الأمد، أجابت: "لا، ولا أريد". كانت الجلسة كلها خُطبة طويلة من الطبيبة، ومعها إيماءات وهمهمات موافقة من شقيقتي وزوجها، وحديث كثير عن قوة العقل، وكيف أن العقل يخدع أحيانًا. طلبت من الطبيبة أن تكتب لي شهادة مرضية جديدة حتى لا أخسر وظيفتي، وقد فَعلَت، فكَتَبَت أن المريضة -أنا- تعاني من آلام روماتيزمية وعضلية شديدة، وتحتاج للراحة لمدة أسبوعين. لا أدري إذا ما سيوافقون على منحي إجازة أخرى لأسبوعين، لا أظن. استيقظت اليوم الساعة الحادية عشر صباحًا، تناولت رقائق الذرة البنية مع اللبن، وأخذت جرعة البيزوبرولول. جاءتني رسالة من طبيب القلب يخبرني فيها أنني لا أستطيع تناول دواء (أميبرايد)، لأنه يؤثر سلبًا على القلب على ما يبدو. يا للأسف. لا زلت أشعر بسخونية دا...

اليوم 117 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  سأكتفي بقول إنها لم تكن ليلة جيدة. .. .. قضيت الليلة في الصراخ ألمًا، أشعر بحريق داخل جسدي، لكن جسدي بارد من الخارج. أشعر بآلام حادة تأتي وتذهب من دون إنذار في أماكن متفرقة من جسدي. أشعر أن جزءًا من عقلي قد مات للأبد، وأنني بالكاد أدرك ما يحدث حولي. جلست أمي بجانبي على السرير وأنا أتلوى ألمًا، لا تدري ما تفعل، لن تساعدني طوارئ المستشفيات، لن يعرف أحد ما مشكلتي. لقد قالها العلماء، كوفيد طويل الأمد لا يظهر في أي اختبار معملي، ستعود اختباراتك كلها سليمة، ولأن الطبيب المصري لا يدري ولا يهتم ما هو كوفيد طويل الأمد أصلًا، فسيقول إنها نوبة فزع شديدة بعض الشيء، سيصف لك المهدئات والمنومات، وسيصرفك إلى المنزل. لم أنم -ولم تنم أمي أيضًا- إلا ساعتين، لم أستطع الذهاب إلى العمل بالتأكيد. قضيت الليلة وجزءًا من الصباح أصرخ في أمي أن تقتلني أو أن تسمح لي بقتل نفسي، لا يبدو لي أن هناك مهربًا من هذا الألم إلا الموت.  طلبت من شقيقتي أن تهاتف الشركة التي بدأت العمل بها منذ أسبوعين فقط، لتخبرهم أنني أريد تقديم استقالتي نظرًا لحالتي الصحية، لكنهم رفضوا وأخبروها أنه يجب أن آخد وقتي حتى أتحسن وأعود ...

اليوم 116 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

  النصف الأول من اليوم بعد ما يقرب من 116 يومًا منذ إصابتي بما يعرف بكوفيد طويل الأمد، قررت أن أوثّق ما أشعر به يوميًا، لعل ذلك يكون تذكرة لي -إن عشت- في المستقبل، حتى لا أنسى ما مررت به أبدًا، وأن أتجنب العدوى كما لو كانت الطاعون. استيقظت اليوم وضربات قلبي أقل قوة من المعتاد، وهي علامة جيدة، لكنها لا تدوم. يحدث كل يوم أن أستيقظ وأنا أشعر أنني بخير، ولا تلبث الأعراض وضربات القلب القوية أن تعود ما أن أبدأ في الحركة والخروج من السرير. شعرت ببعض الانقباضات البطينية السابقة لأوانها (PVC)، والتي لم أشعر بها مرة واحدة منذ أسبوع تقريبًا، مرحبًا بأصدقائي القدامى، مر أسبوع، افتقدتكم (لا لم أفتقدهم في الحقيقة). ضروسي الداخلية تؤلمني بشدة، لا يمكنني المضغ عليها، تفقدت في المرآة إذا ما كانت قد تسوست، لكن بدت لي ناصعة البياض لا يشوبها أي شيء. لذا، قررت إضافة ألم الضروس إلى قائمة أعراض كوفيد طويل الأمد التي لا تنتهي. أشعر ببعض الكهرباء الطفيفة في دماغي اليوم، ولكني لن أتذمر كثيرًا، فبالأمس كانت هناك عاصفة كهربية حقيقية في رأسي استدعت أن أذهب إلى طبيبة المخ والأعصاب تحت طقس من الأمطار والرعود وال...

سماء ممفيس.

  كيف يمكنك أن تحكي قصة إذا لم تكن تقدر حتى على التعبير عن نفسك لا تملك كلمات رنانة يتردد صداها وفي آخر مرة تَفَقّدت.. فقد كنت بحاجة إلى كلمات رنانة واستعارات بليغة ومقاطع لفظية مُشدد عليها إلخ إلخ.. يا مسكين أنت الكلمات تنزلق من بين أصابعك مثل.. آممم.. مثل الـ<ضع استعارة بليغة هنا> يحتاج الإنسان إلى الاهتمام لأن يستمع العالم إلى قصته كيف يمكنني أن أحكي قصتي والكلمات تنزلق من بين أصابعي؟ أنا الآن بلا قصة ومن ثم، بلا قيمة أعلم أن نجمنا قد انضوى وكم كان لامعًا يومًا من فضلك يا آنسة، تمالكي نفسك.

ماتَ بيلا ليجوسي.

تخبرني: "كفى بكاء! الألم لن يتوقف بالبكاء." أدرك حينها أنني لا أبكي  بسبب ا لألم في صدري  فقط بل أتذكر أشياء تزيد الطين بلة وتزيد الموسيقى الأمور سوءًا على سوء أَبكي منظومة الرعاية الصحية في حفرة القمامة المحترقة هاته أبكي كل طبيب لم يستمع لي أبكي ذهابك للبحث عن الحب على بُعد ألفيّ ومئتي ميل مني مستخدمًا صورة التقطتها لك في أفضل أوقات حياتي أو هكذا أظن أبكي أن أمي ستموت وأن أختي ستموت وأنت ستموت وأنا كذلك وربما أسرع منك ربما سأسبقك إلى هناك لا، هذا مؤكد سأكون ذكرى تحكيها لطبيبتك النفسية ولكن، هكذا تسير الأمور عليّ أن أبتلع كبريائي الطفولي عليّ أن أهرع إلى المستشفى وأن أتشبت برقبة أول طبيب أقابله في الردهة "لن أغادر حتى تكتب لي تشخيصًا" فلتنس كل شيء تعرفه فلتكن طفلًا حديث الولادة  

اختبارات. (7 مايو 2022)

صورة
  كانت ليلة طويلة. قابلت صديقًا لم أره منذ نوفمبر الماضي، وجلسنا نتحدث عن كل ما فات كل منا في حياة الآخر، أعني، بالكاد أخبرته بأي شيء عما حدث في حياتي، لأنه لم يكن يلبث أن يُقاطعني ويُدير دّفّة الحديث إلى شيء حدث له. مثلًا، أحاول إخباره عن تلك المرة حين ضللت طريقي وتسلقت جدارًا ومنزلًا في أسوان، فأبدأ القصة متحدثةً عن كيف أن معظم الطرق في أسوان هادئة وبعيدة عن الحضارة، وكيف أنها كانت تجربة مختلفة تمامًا عن القاهرة، فيقاطعني ويبدأ في إخباري عن تلك المرة حين كان في إسبانيا وذهب إلى بار إسباني للغاية، ولم يُعجَب كثيرًا بالبيئة هناك وفضّل أن يجلس في مقهى عادي، وهكذا، وهكذا. على أية حال، انضمت لنا ندى، التي تعيش بالقرب من تلك القهوة، وتبادلنا أطراف الحديث، وبدأ هو في إخبارها كيف أنه كان معجبًا بي حين تقابلنا أول مرة منذ تسعة أشهر، وكيف أنه حاول الخروج معي في موعد من قبل، وكان الأمر كله مثيرًا للحرج وأنا جالسة هناك أسمع كل ذلك. ودَّعْنا صديقي ذلك عند مدخل المبنى الذي تسكن فيه ندى، ثم صعدنا معًا إلى شقتها. صنعت لي بعض القهوة باللبن، ثم اتفقنا على أننا سنذاكر بعضًا من البرمجة بلغة الجافا، ...

أشياء بشرية.

صورة
  في الليلة الماضية، وأنا أدلف إلى مدخل المبنى الذي أسكن فيه، لمحت صورة للشعراوي، لم أرها هنا من قبل، تطل من خلف لافتة لإعلان عن عيادة طب الأسنان في الطابق الثاني، وكنت قبل ذلك بثوانٍ أحاول أن أتمالك نفسي وأسيطر على تلك الرغبة الحارقة في البكاء، والغصة في حلقي، وحفلة الآلات النحاسية القائمة في رأسي. شعرت بغضب مضحك من ذلك الشيخ الذي يطلّ من وراء اللافتة ويضحك تلك الضحكة الصفراء في وجهي. ألقيت نظرة سريعة على غرفة البوّاب، فرأيت الستائر مُسدلة على الباب. أمسكت بالصورة وحشرتها خلف لافتة إعلان طبيب الأسنان، حتى اختفت تمامًا ولم يعد أي جزء منها ظاهرًا. نظرت إلى الحائط برضا، واستكملت طريقي لأصعد الدرج. أشعر كأن تجويفًا كبيرًا أصبح في مكان كل الأعضاء والعظام والأنسجة الدهنية التي تسكن صدري. - صدقيني، سنشعر أن ذلك هو الشيء الصحيح الذي كان ينبغي فعله بعد شهور من الآن. = لا أظن أن ذلك سيبدو لي كالشيء الصحيح الذي كان يجب فعله في أي وقت، ولو بعد سنوات. لم أشعر بهذا السوء منذ وقت طويل جدًا، وسَئمت مشاهدة كل الأشخاص الذين أحببتهم بكل قدرتي على الحب وهم يرحلون. ربما ظننت أن هذه المرة ستكون "مختلف...

الأرجوحة وجبال الألب.

  تقول إحداهن من زميلات الجامعة معلقةً على ستوري الواتساب خاصتها إن صديقتها -والتي تحتفل بعيد ميلادها اليوم- تشاركها "جنانها" و"هبلها"، وإن كلتيهما تتشاركان "روح طفل صغير" بداخلهما. كتبت كل ذلك تعليقًا على صورة لهما وهما جالستين على أرجوحة، وبدأت أفكر كيف أن تصرفًا طبيعيًا كالجلوس على أرجوحة يمثل للبعض جنونًا و"هبلًا" وشيئًا من روح الطفولة. ثم فكرت قليلًا في كيف أن هذه الفتاة -زميلة الجامعة التي نتحدث عنها- قد تزوجت حالما أنهينا دراستنا منذ عامين، وأنجبت طفلة منذ بضعة أشهر، وربما تغيرت نظرتها للأشياء، فصارت تصنف الأشياء إلى قسمين، قسم الناضجين، وقسم الأطفال، قسم التصرفات التي من شأنها وزوجها وأصدقائها (الكبار) أن يقوموا بها، وقسم التصرفات التي من شأن طفلتها وأطفال أصدقائها (الصغار) أن يقوموا بها. ثم انتقل تفكيري لأصدقائي من أوروبا، وكيف تختلف معايير الـ"جنون" والـ"هبل" فيما بين البلدان، فعلى سبيل المثال، فإن صورة لفتاتين على أرجوحة لا تمثل أي شيء من روح المغامرة والطفولة لليليان (اسم خيالي، أنا لا أعرف واحدةً بهذا الاسم) التي ...

أوَدّ لو آكل تلك الجزرة.

في هذه الحياة، كل ما عليك فعله، على الأرجح، هو أن تجد بعضًا من السلام مع حقيقة أنك تسعى للشهرة والقوة، لأن تكون مصدر إلهام من نوع ما، فقط من أجلك أنت، لا من أجل أمك، لا من أجل صديقك، لا من أجل أن تجعل عمك الذي توفي بسرطان المستقيم فخورًا بك، من أجلك ✨ أنت✨ . الشعور بالتقدير والأهمية. هممم لذيذ للغاية، أليس كذلك؟ أنت يا عزيزي لا تسعى لأن تكون أيقونة في الإصلاح الاجتماعي أو شيء كهذا، إنما فقط تبحث عن معنى ما في دوراتك المستمرة حول البالوعة، في جريك المستمر وراء ثمرة الجزر المربوطة بخيط إلى رأسك. أشم رائحة البول المميزة من حيث أجلس في الأتوبيس العام. تجلس بجانبي امرأة  چ ينيريك للغاية، متشحةً بعباءة سوداء وتزن مائة كيلوجرام ربما. إما أنها قد تبولت الآن في ملابسها، أو أن أحدهم اضطر لتلبية نداء الطبيعة هنا على هذه الحافلة بالذات. هذه ليست المرة الأولى التي أشم فيها رائحة بول على حافلة عامة على أية حال. أمر شائع. أرتدي القميص الأبيض الذي يتوسطه رسم باللون الأحمر لشمس مايو التي تُزين العلم الأرجنتيني. قميص قصير للغاية، تظهر من أسفله بطني وظهري حالما أرفع ذراعيّ قليلًا، وربما ستخبرني...

الكبار يموتون.

الكبار يموتون يتساقطون واحدًا تلو الآخر تظن الواحد منهم سيعيش إلى الأبد أنه عثر على إكسير الحياة أنها شقّت طريقها من بين براثن التحلل ثم لا يلبث أن يأتي بعباءته السوداء على هيأة سوء تغذية كناتج حتمي لأورام الغدة الدرقية أو هبوط في الدورة الدموية كناتج حتمي لجلطات المخ ولا تلبث أن ترتدي الأسود في محاولة ساذجة للعثور على معنى في كل ذلك ارتداؤك للأسود ما هو إلا اعتراف ضمني منك بأنك لا تفهم ماهية الموت أو أنك تفهم، لكنك تختار أن تعتنق العبثية فتحاول إيجاد معنى في التحلل المستمر لخلايانا فليكن الحياة الأخرى أو الجانب الآخر فليكن العود الأبدي فليكن النعيم والجحيم وثنائية الخير والشر وسترتدي السواد وتواسي هذا وذاك ستردد: "إنها في مكان أفضل الآن بين أشجار التانجرين تحت سماوات بلون مربى البرتقال ترتدي السندس والاستبرق حتمًا هي هناك لابد أن تكون هناك وإلا فما جدوى أي شيء؟  صحيح؟" لكن الكبار يموتون وسيواظبون على الموت كما تواظب خلايانا -أنا وأنت- على التحلل سيصير الصغار كبارًا ويصير الأصغرون صغارًا يدفنون كبارهم ويتضرعون إلى المسيح كان أو زيوس أو إلى ذلك "الإله الوحيد الحقيقي"...

مقتضب. (2)

  كنت أعيش في عالم حيث يمكن استنساخ البشر (على ما أظن)، لأن ذلك هو أقرب تفسير علمي لما رأيته في ذلك الحلم. حين بلغت العشرين أو ما يقاربها، تبين أن بي عيبًا خلقيًا ما، أذكر أنه كان يُشار إليه في الحلم بأنه "عيب في التصنيع"، كما لو كنت ثلاجة مطبخ أو فرنًا كهربائيًا، فاضطرت أمي لأن تقتلني قتلًا رحيمًا، كمن يقتل عنزة مصابة بالسرطان، وأن تلدني مرة أخرى. لا أدري كيف كان هذا ممكنًا، لكنها فعلت ذلك. وولدت من جديد، بأنف تشبه أنف شقيقتي بعض الشيء هذه المرة، ووجه يشبه وجهي القديم، وكنت أحتفظ في ذاكرتي بكل ما حدث، أذكر كيف أن أمي اضطرت لأن تقتلني، وأعرف أنني وُلدت من جديد، فكنت أكرر المراحل العُمرية بشيء من المعرفة المسبقة، أي أنني أعرف كيف سأبدو حين أكون في العاشرة، أعرف ما سأدرس في المدرسة في الصف الثاني الإعدادي، أعرف درس العلوم الذي ستأتي منه معظم أسئلة الامتحان، وهكذا.. وقد هالني بشكل خاص أنني سأضطر إلى المرور بالثانوية العامة واجتيازها من جديد. صرصور تَعِس يدور دورةً كاملة حول البالوعة، ثم يبدأ من جديد. 

الأرشيف

عرض المزيد