كندا، وقد جُرِدَت من معادنها وبترولها القذر. جُرِدَت من أشجارها ومياهها. شىء متهاوٍ يُرثى له، يغرق فى وعاء كبير، مُغطى بالنمل. والمحيط لا يكترث لأنه يعرف أنه -هو الآخر- يحتضر.
لم أجد القطة البنية الصغيرة اليوم. جاء أخوها "لوك" يعدو نحوي بعد دقائق قليلة من أول "بِس بِس بِس" نبست بها. أما هي، فلا أثر. فكرت: "لابد أنها في العمارة كعادتها، بجانب شقة جارتي" فقد كان هذا هو المعتاد لشهور منذ يناير الماضي، حين وجدتها وأخاها وأختها في صندوق من الكرتون بجوار القمامة، فوضعت حينها الصندوق داخل العمارة المجاورة، بجانب شقة الجارة وبالاتفاق معها. أطعمناهم واعتنينا بهم كل يوم، وفي أحد الأيام لم نجد أختهما، القطة الكاليكو الملونة. بحثنا فوق وتحت، في الدور العلوي والسفلي، ما من أثر لها. ثم تقبلنا الوضع، لقد ماتت. قطة صغيرة بهذا الحجم وحدها بالشارع، لا توجد احتمالات كثيرة. منذ ذلك الحين، وهما أخ وأخت. أطعمهما كل يوم، أضع الماء، وأذهب بهما للطبيب عند الحاجة. شاهدتهما يكبران، وتتحول عيونهما من الأزرق فتتلون بصبغة خضراء فاتحة في عيني لوك، وخضراء مزرقة في عينيّ ليكسي. صرت أحب مؤخرًا أن أتذكر ليلة الشتاء تلك، حين ذهبت بهما إلى عيادة الطبيب في حدائق الأهرام عندما كانا مصابين بالكلاميديا. والكلاميديا في القطط الصغيرة -إذا لم تكن تعلم- قد تعني الموت. كانت...
اليوم صنعت قهوة بحليب منزوع الدسم (أو هذا ما يزعمونه على العلبة). إنها التاسعة صباحًا. مرت ثلاث ساعات منذ الغارة الأخيرة. توقفت الصافرات منذ زمن، وأستطيع الجزم بأن الجميع في طريقهم إلى المصانع الآن. أستطيع أن أراهم، يتفقدون الجميع عند بوابات المصانع الحديدية باحثين عن البقع الزرقاء. ربما تغافلت عن بقعة هنا أو هناك، أسفل حاجبك، بجانب ترقوتك. أينما كانت هذه البقعة فسيجدونها، وقبل أن تقول أ ي شيء ستكون قد تمزقت إلى جزيئات صغيرة. هؤلاء القوم لا يضيعون وقتًا. نعم نعم، هذا واقع ديستوب ي آخر كما تبادر إلى ذهنك. الأخ الأكبر يعيث فسادًا في مكان ما، والأستاذ سميث يقع في الحب معه كل يوم في أقبية أحد السجون. أما أنا، فقد أخذت إجازة غير مدفوعة الأجر من المصنع الذي أعمل به لبعض الوقت. أجزم بأن رقائق البطاطس المحمرة تستطيع أن تصمد من دون تعبئة لبضعة أيام. أمسكت بكوب القهوة بين كفيّ ألتمس بعض الدفء، وقمت أمشي لأسدل الستائر على نافذة غرفة المعيشة. نظرت إلى الخارج، لأرى الشمس من تحت القبة الزجاجية التي تغطي كل شيء. بالكاد أستطيع تذكر ذلك الوقت الذي سبق وجود هذه القبة. يبدو لي أحيانًا أنها ...
"لقد ابتعدنا كثيرًا عن المحطة" بدا على وجهها الوجوم إذ قاطعتنى وأنا فى خضمّ مناقشة حامية لإثبات قدرة الثعابين على التنبؤ بحدوث الزلازل، وكيف أن علماء الجيلوجيا الحمقى لا يستغلون ظاهرة طبيعية رائعة كهذه .. "أوه، هل كنتِ تنتظرين أحدهم هناك؟" "نعم، صديق لى، أراهن أنه يقف هناك الآن بانتظارى، ولا أظنه قد أحضر معطف المطر خاصته .. يبدو لى أن السماء لا تنوى أن تحنو علينا الليلة" نظرنا إلى السماء الرمادية، وبقايا دفقات الضوء الأرجوانية الباهتة التى ترسلها الشمس الغاربة فى يأس، فلا تفلح إلا فى أن تجعل المشهد أكثر بعثًا على التوجّس . . " ليتكِ تغربين فأنتِ لا تزيدين الوضع إلا سوءًا" "معذرةً؟" "الشمس .. كرة النار الحمقاء التى تدور فى مركز الأشياء تلك" "آآهاه" عدنا أدراجنا إلى رصيف محطة المترو، بعد دقائق من السير المتعرج الصامت .. بدأ تأثير الكحول ينحسر ببطء من خلاياى، وأكاد أشعر بمنسوب الدوبامين وهو ينخفض تدريجيًا .. لأعود لصوابى وأبدأ فى التساؤل: - من هذه الفتاة التى تسير بجانبى بحق الجحيم؟ ولماذا ذهبت لأ...
تعليقات
إرسال تعليق