جورج بوش الابن وأشياء مسلية أخرى.

تهتز البلاد بالثورة..لقد طفح الكيل وأعلن الجميع غضبهم على الحاكم، وخرج المارد الذى يهابه الحكام كالموت، خرج من قمقمه مخلفًا سحابة من الدخان الأسود..
وقد كان أبى يشغل منصبًا رفيعًا من حكومة هذه البلد، فى ديوان الجيش..كان جنرالًا لا بأس به، وذراعًا أيمن قويًّا لرأس الأفعى التى تترأس هذا النظام الحاكم..وحين قامت الثورة، صرت أرى صورة أبى فى الشوارع، وقد طبعتها الجموع الغاضبة خصيصًا لكى يتسنى لهم أن يشعلوا النيران فيها فى وسط الشارع، بينما يراقب الناس فى تشفٍ إذ تلتهم ألسنة النار بذلة أبى العسكرية، ذقنه ووجنتيه وكرتىّ عينيه، وجهه..ثم تتحول الصورة إلى ذرات فحم ورماد مضطرم، ترمقها الجموع فى شغف ورضا..ويُهللون ويلوحون بقبضاتهم فى الهواء..ويُهنئون بعضهم البعض..
وتراءى لى أن الجموع لن تشعر بالرضا عن صورة أبى الحالية، إذ يسير على الأرض عظامًا ولحمًا، لن تهدأ لهم روح حتى يرونه إذ يُحال إلى رماد..
إلا إذا تدخلت أنا لأنقذ الموقف، سوف أشى بأبى، سوف أكشف خطط النظام وأسلمهم الأوراق التى يخفيها أبى بالمنزل، سوف أريهم مفتاح هزيمة الحاكم، وعلىّ أن أفعل هذا من أجل بلادى، لا من أجل أبى، كما أن هذا سينهى عهد سلطة أبى على أمى، ستتحرر أمى من قبضته أخيرًا، ستتحرر من كل هذا..وسيكون كل شىء على ما يرام بالنسبة لها لأول مرة منذ خمسة وثلاثين عامًا..
إذن سأفعلها، سأحرر بلادى وعائلتى فى الوقت ذاته..
لقد تمّ الأمر، أخذت كل الوثائق والمعلومات، وقفت فى وسط الطريق، فى مركز الجموع الغاضبة بالضبط، وصرخت بقدر ما سمحت لى به رئتاى..أخبرتهم بكل شىء..كل شىء..لقد تم الأمر.
وفى ذات صباح، كنت أسير الهوينى فى الشوارع الخالية، بعد أن عاد الجميع إلى ديارهم إذ أسقطوا النظام واستقرت الأمور وعاد الغضب إلى مكمنه، وكنت أفكر أننى الآن بطلة فدائية، لقد حررت بلادى وصرت رمزًا للتضحية والإيثار..لقد آثرت بلادى عن أبى..ودفعنى هذا للتفكير فى أن الصحافة والإعلام سيودّان بالتأكيد الحديث معى عن تجربتى هذه وعما مررت به، وقد أرهبنى هذا، سأقف أمام الكاميرات صامتة كالكابوس، لا أدرى ما علىّ أن أقول أو أفعل..ففكرت أنه ربما علىّ أن أكتب كتابًا عن تجربتى بالكامل، وسأنشره بسهولة، لن تمانع أية دار نشر أن تصدر كتابًا لبطلة البلاد ورمز الثورة..سيكون هذا مالًا وفيرًا ومكسبًا لا شك فيه لدار النشر المحظوظة هذه..
كان هذا قبل أن تأتى موجة الموتى الأحياء لتضرب بلادنا وتجتاح كل شىء..
أذكر التفجيرات إذ يحاول الجيش السيطرة على الأمر واحتواءه، أذكر أننى كنت أهيم فى المنطقة المحظورة..حيث لا يعود أى مدنى..حيث يطلق الجيش النيران على أى هدف متحرك، يطلقون النيران ثم يسألون الأسئلة..هذه كانت الأوامر..
وقد كان منزلى القديم يقع فى المنطقة المحظورة، وقد كان أبى هناك يقاتل جيوش الموتى الأحياء..وقد كان علىّ أن أكون هناك أيضًا..
وهئنذا، أرى المنحنى المألوف الذى يسبق منزلى..ثم أرى جنديًا غاضبًا يأتى من اللا مكان، يعدو نحوى صارخًا: "ليس ثمة شىء هنا..ليس ثمة شىء هنا..عودى من حيث أتيتى" 
لكنى أتملص من قبضته وأصرخ فى وجهه أن منزلى هناك، وأن أبى هناك..أعدو فيطاردنى..أعدو بسرعة أكبر نحو منزلى، فيواصل مطاردتى بسرعة أكبر..آخذ منعطفًا..فقط لأجد أبى أمامى..واقفًا وظهره مواجه لى، كان يقف فى غرفة عارية من الأثاث، يفصلنى عنه حائط من الزجاج، أراه من خلف الزجاج، فأناديه ليلتفت إلىّ..أتأمل وجهه الذى كان قد تغير كثيرًا وتحوّرت ملامحه، فصار أشبه بوجه جورج بوش الابن..وقد كان يحدثنى بكلمات غير واضحة..أرى أخى الصغير كذلك..يجلس فى ركن الغرفة خلف الزجاج..وتراءى لى لوهلة أن كل شىء سيكون على ما يرام، سنعيش مع أبى وسنُميت الموتى من جديد، ونحرر بلادنا من الوباء..سنذيقهم شيئًا من بأسنا..سنركل الشيطان من أحشائهم..
كان هذا حين رأيت الذراع المتحللة، تمتد من خلف الزجاج نحو أبى..يتبع الذراع الجسد الميت الخاص بها..جسد كان يخص فتى صغيرًا..أصرخ فى أبى من خلف الزجاج: "أبى احترس!..أحدهم قادم نحوك"
فيبدو أبى مسترخيًا بوجه جورج بوش خاصته، ممسكًا بالبندقية، ثم يقول فى غرور وتباهٍ: "آه دعيه، سأقتله فقط حين يقترب أكثر من اللازم، دعنا نرى ما سيقدر عليه هذا الصغير"
"ولكن أبى..."
ولا زال الطفل الميت يقترب من أبى، وأبى يقف كالطاووس المتبختر، لا ينظر نحو الفتى الميت حتى..
حدث الأمر سريعًا، أخرج الفتى الصغير الميت أداة حادة تشبه قرون الغزلان، وسدد بها ضربة إلى صدر أبى، فتنفجر الدماء من صدره ويرتطم رأسه بالزجاج، فيتلطخ بالدماء، يرمقنى بنظرة أخيرة بينما يلصق كفه المدماة بالزجاج، بينما تتزحلق وتتزحلق مع جسده نحو الأسفل، مُخلفةً قطارًا طويلًا من الدماء..مصدرةً الكثير من ذلك الصوت؛ "زززييييءءء"..لم يقطع كل هذا إلا صرختى..تتهاوى ساقىّ من تحتى كالمعكرونة الاسباجيتى..لكنى أتمالك نفسى وأعدو كمن يطارده الشيطان، أرمق ما خلف الزجاج فلا أجد أخى هناك..لقد اختفى..
ارتطم بى ضابط من ضباط أبى، كان يحمل البندقية وكاد أن يطلق علىّ النيران، أخبرنى أن الوحدة بأكملها تحت الهجوم..وأن الموتى قد تطوروا، وقد صاروا يحملون السلاح، كما صاروا يحيلون الحيوانات إلى موتى أحياء بدورهم..لم يعد صراعنا مع موتى البشر فقط، بل موتى مملكة الحيوان كذلك..كان هذا حين لمحنا زرافة نصف متحللة، تعدو نحونا بسرعة جنونية، كانت تهمهم بكلمات بصوت متحشرج، وقد استطعت تبين ما تقول بصعوبة: "أوه يا صغيرتى الحلوة، أوه يا طفلتى، يا عروستى المحشوة بالقطن..يا حلوى غزل البنات والكراميل خاصتى..هل ستدعيننى ألتهمك الآن؟"
كانت تردد هذا كشريط كاسيت تالف..مرارًا ومرارًا..وكانت تتجه نحونا الآن..فصرنا نعدو من جديد..لنجد أمامنا طفلًا صغيرًا ميتًا آخر، قادمًا من خلف أحد الأبواب..
تأتينى الزرافة من ظهرى، تنحنى برقبتها المتحللة لتكون رأسها فى مستوى رأسى، لتطلق فى أنفى رائحة عبق الموت وعطن التحلل، وتهمس فى أذنى بصوتها المتحشرج: "إن لم ألتهمك أنا يا حلوتى الصغيرة، فإن صديقى هناك سيفعل، لكِ كامل حرية الاختيار، إما أنا أو هو، يا لُعبتى اللذيذة"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)