الآن تراه.

لم أعد أغضب أو أنزعج 
حين يصطدم ذراع أحد ركاب الأتوبيس -بينما يمر فى الطرقة- برأسى فيفسد تسريحة شعرى وتتناثر الخصل فى كل مكان، لم أعد أنزعج..
حين أستمع إلى أصوات الشيوخ تترنم بإسمه فى كل مكان يتصادف أن أكون فيه، وكأنه يلاحقنى، لم أعد أنزعج..
"سيأخذك..وإن حاولت الهرب، فسيطاردك"..كما يقول العزيز سفيان..
 حين أستمع إلى سفيان وهو يغنى عن أمجاد الـlord and savior خاصته، لم أعد أنزعج..بل وأشاركه الغناء أحيانًا، بصوت متقطع قصير الأنفاس..
حين أصاب بنوبة أخرى من انقطاع الأنفاس حين تفقد نبضات قلبى انتظامها، لم أعد أنزعج..فقط أنتظر..
وحين أرى اللافتات فى الشوارع لذلك المترشح الآخر، فى محاولة يائسة منهم لإقناعنا أنه لا بأس، فهناك مترشح آخر، لديكم خيار آخر تستطيعون اللجوء إليه..لم أعد أنزعج..فقط أرشف قهوتى بهدوء..
أوه، وحين تنسكب قهوتى على قميصى المفضل، لم أعد أنزعج..
لكن انتظر لحظة، لماذا أمتلك قميصًا مفضلًا؟
ولماذا أبالى كثيرًا بتسريحة شعرى؟ 
تلك الأشياء الصغيرة التى تبقت لى، تبدو كالوبر فى قماش حريرى ناعم، لماذا يظهر؟ كيف يظهر؟، لماذا ظهر هنا بالذات فى هذه البقعة عوضًا عن أى مكان آخر؟..
لماذا لا زلت أكترث؟، لماذا لا زلت أملك قميصًا مفضلًا وتسريحة شعر؟
كل شىء أفعله يصرخ بوضوح بالعدمية، أعنى أنه لو أن دارسًا نظريًا للفلسفة رآنى اليوم وقضى معى فترة الظهيرة، وابتعت له شطيرة بطاطس، وطلبوا منه أن يشخّصنى نظريًا، سيقول بلا تردد بينما تشق أسنانه طريقها فى جسد الشطيرة: "همم حسنٌ، إنها العدمية يا رفاق"..
هى عدمية تفاؤلية بعض الشىء، لكنها لا تزل تحمل صفات الكلمة الأولى بقوة..
لكنى لغرابة الأمر لا زلت أهتم..لا زلت أتفقد مظهرى فى المرآة قبل الخروج للعالم، ولا زلت أملك قمصانًا مفضلة..لا زلت أكتب الموسيقى..
تمامًا كما كنت فى المدرسة الثانوية، تلك الأيام الباسمة..
لكنى-والحق يقال- أتعلم، وتتغير صفاتى القديمة لتتواءم مع ما جَدّ..كما ينسلخ الثعبان من جلده من آن لآخر..فيخلّف غلالة رقيقة صلدة من الجلد..
أنا أنظر إلى بقايا جلدى القديم كل يوم، ملقاة بإهمال على سطح البناية، بعض الأجزاء قد تفحمت واحترقت، بعض الأجزاء تصلدت، البعض الآخر تمزق كأن شيئًا كان بالداخل يجاهد بضراوة للخلاص من شىء آخر..
 ألتقطها فى هدوء وعناية، وأثبتها فوق حبل الغسيل..لتتطاير مع الهواء جنبًا إلى جنب مع قمصانى المفضلة، وجوارب أختى، وبنطال أخى..
أصعد كل يوم لأرمقها فى فخر..بينما أبكى قليلًا لاستكمال ميلودرامية الموقف..
لست أهتم كثيرًا برأيك على أية حال، أنت مَن كنت يا من تقرأ هنا
أوه لا تتوقعوا أننى أنتظر التصفيق بينما أقف على المسرح الخشبى مرتدية فستانًا بالأزرق الداكن ابتعته من المول المجاور وأحاول أن أبدو فاتنة، بعد أن تدربت على نَصّى وقرأت المسودات والحواشى الإضافية، قرأتها ألفًا وتسعين مرة، ولم أنس طبعًا أن أتمرن على الإنحناءة التى سأؤديها لكم حين تصفقون بحرارة، لأنى بالطبع أعلم أنكم ستصفقون بحرارة، لماذا؟ بفففت لأنى قمت بعرض رائع بالطبع، اخترت الكلمات الصحيحة، أصدرت التردد الصحيح الذى تناغم مع تردداتكم أجمعين، وسأنحنى فى امتنان لأشكركم على استهلاك بعض الأكسجين من أجل التصفيق لى، وسأتأسف على إحمرار أكفكم وأوزع عليكم مرطبات الجلد وعصير الليمون المثلج..
أوه لا لن أفعل كل هذا..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)