لا أدري. (2)

أرتدي قميصي الأحمر قصير الأكمام الذي طبعت عليه صورة غلاف ألبوم كانييه ويست الشهير: (الفانتازيا الجميلة المظلمة الملتوية خاصتي).. وهو غلاف أحمر بالكامل، وفي منتصفه صورة في إطار مربع مرسومة بألوان الزيت لراقصة باليه لها شارب بني (نعم، راقصة باليه بشارب، لقد سمعتني) ترتدي فستانًا قصيرًا باللون الأسود، وتمسك في يدها بكأس من النبيذ الأحمر، ووسط كل هذا تنظر إلينا في اندهاش بفم مفتوح.

أهاتف صديقي الذي من المفترض أن يذهب معي إلى المكتبة لنعيد الكتب التي استعرناها منذ ما يقرب من شهرين، لكنه لا يرد، يبدو أنه يتناول المثلجات مع وحيدي القرن في العالم الموجود في نهايات أقواس قزح الآن. أتصل مرتين وأبعث رسائل نصية على واتساب، ثم أيأس فأفتح اللابتوب لأكتب هنا قليلًا كما ترى. 

لم أنم منذ ما يقرب من اليومين. أعني أنني نمت ثلاث ساعات أو ما يقرب من ذلك، تفهم ما أعني. لا أستطيع النوم من ضربات قلبي الشديدة.. كاثومب..كاثومب.. كاثومب.. تتردد في كل جسمي، يهتز صدري مع كل دقة، أشعر بالدقات في ساقيّ، في رأسي، في عنقي وفي ظهري. ثم يبدأ شعور آخر ينتابني، لا أقدر على وصفه إلا بأنه يبدو كما لو أن قلبي سوف يتوقف. أشعر وكأن الدم لا يتدفق إلى أطرافي، تعرف حين تربط على ذراعك بشريط من المطاط فيجد الدم صعوبة في التدفق إلى يدك، ثم حين تحل الرباط تشعر بالدماء تنتشر من جديد إلى يدك وأصابعك؟ نعم، هذا ما أشعر به في ساقيّ، يبدأ قلبي في الخفقان بقوة، ثم أشعر بغصة في حلقي، وبضغط شديد على صدري وظهري، ثم يحدث الأمر، وكأن الدم يتدفق إلى ساقيّ بعد أن كان محبوسًا في مكان ما.. بقيت مستيقظة طوال الليل أتحسس ضربات قلبي، ولسان حالي يقول أنني سأموت الليلة، أو بالغد، أو أنني لن أعيش لأكون في الثلاثين.. أتذكر كلمات الطبيب لي بأنني لا أعاني من شيء خطر، وأن كل هذا في عقلي، أن عقلي يختلق كل هذا، لكني أرفض تصديق ذلك، كيف لكل هذا الألم أن يكون من فعل عقلي؟ كيف يبقيني مستيقظة لأيام أتحسس نبضي وأشعر ببوادر الإغماء؟ وإذا كانت هذه نوبات فزع على حد قول الطبيب، فلماذا تستمر لعدة أيام؟! ولماذا لم يبدأ الدواء في تخفيف الأعراض وأنا أتعاطاه منذ شهور؟ أكاد أقول أن حالتي تزداد سوءًا، أعني.. إنها تزداد سوءًا بالفعل. 

لا أنفك أفكر في أنني سوف أموت، سوف يتوقف قلبي وتظلم الدنيا قبل أن أدرك ماذا حدث.. سوف أقع على الأرض وتصطدم رأسي بالبلاط، أو أموت وأنا مستلقية على سريري أتحسس ضربات قلبي.

أتذكر طنط محاسن، تلك السيدة صاحبة الخمسة وثمانين عامًا التي كانت تشغل أحد أسرة العناية المركزة للقلب، ظلت تصرخ طوال اليومين اللذين قضيتهما هناك، تقول: "ياني..ياني..أنا في عرضكم.. يا رب ريحني بقى يا رب.. يا دكتووور..".. ثم تصرخ في الممرضات أن "اعدلوني.. اعدلوني" حتى يغيروا من وضعية جلوسها، لأنه ما من وضعية تريحها أبدًا. كانت تعيش في عذاب إغريقي بسبب إصابتها بارتشاح رئوي، وكانت تصرخ من الألم طوال الوقت وتسعل بجنون، أسمع صوت سعالها فيخيل لي أنني أرى الماء العالق فوق رئتيها رؤى العين. مع كل نوبة سعال تنتابها، أشعر وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكنها تأخذ شهيقًا في النهاية لتعلن أن وقتها لم يحن بعد. 

اتفق الأطباء اتفاقًا غير معلن أن حالة طنط محاسن ميئوس منها، ما هي إلا بضعة أسابيع وتقضي نحبها، سمعتهم يتفقون على الاتصال بعائلتها ليأتوا ويأخذوها من هنا لأنهم -الأطباء- قد فعلوا ما بوسعهم. مرت ثلاثة أشهر منذ كنت هناك على ذلك السرير في العناية المركزة، تُرى هل استراحت طنط محاسن الآن؟


 

 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)