لا آدميون صغار متوترون.

لا زلت أقضى أوقاتًا طيبةً مع الأدهد..
كنت فيما مضى أقضيها وأنا أنظر إليك بعينين زجاجيتين، بينما نستمع إلى فرقتك المفضلة..أوقاتٌ طيبة..

صرت الآن أقضيها وأنا أقرأ ملحمة جلجاميش .. وأنا أستمع إلى (ويل) يغنى عن أنه   "محض هراء، الحب، محض هراء، الحب هو محض هراء"..وأنا آكل السلاطة..وأنا أستمع إلى فرقتك المفضلة وحدى..
يقولون أن الأوقات الطيبة تنتهى سريعًا..نعم نعم بالتأكيد قرأت هذا -فى وقت مضى- فى روايةٍ رديئةٍ ما من تلك التى يستعملون فيها لفظة "ليث" بدلًا من "أسد"..
لكن وقتى الطيب يمتد أمامى كممر طويل من المعكرونة الإسباجيتى اللا نهائية..فى مشهد سريالىّ جميل..المعكرونة تمد أذرعها المطاطية فى كل مكان فى أشكال موجيّة مثالية، تتحطم بعض الأذرع على الحوائط الصخرية صانعةً معجونًا أبيض اللون مكانها، فتنمو لها أذرعٌ جديدة كالهيدرا.. فيصير المكان كنسخة مضحكة من جحيم دانتى.. أستطيع أن أراه..
لكن أى ربة منزل تلك التى تطهو المعكرونة الإسباجيتى بكامل طولها دون أن تشذبها قليلًا؟ أن تقصمها قليلًا ربما؟ لا؟
 لِم لَم يقصم أحدهم المعكرونة الإسباجيتى خاصتى؟ لا أدرى من أين أتى هذا التسيّب على أية حال، لابد من عطبٍ ما فى أى نظام بشرىّ.. ولن يفيد لو أننى أتيت بالمسئول عن العطب من تلابيبه، ووضعته تحت المقصلة حالًا..
بَيْدَ أننى لا أستطيع منع عقلى من التفكير فى مشهد المقصلة وهى تغوص فى رقبته..بسلاسة غير مسبوقة كسكين فى الزبد..رقبةٌ لا فقّارية..أوه مثير للإنتشاء..
"نحن لسنا مثلهم..لسنا كشىء مثلهم أبدًا"
"نحن لسنا مثلهم..لسنا كشىء مثلهم أبدًا"
أنا فى قاع حفرةٍ امتلأت بجثث ضحايا الطاعون..يتهيأون لحرقنا ربما؟..لتوفير أماكن شاغرة للأحياء بالأعلى.. نعم نعم..أشم رائحة رماد السابقين، نحن فقط رماد صلب لحمىّ الملمس..هذا هو الفارق..ولكن ليس لوقتٍ طويل..
أرى العلامات على خنّ أفخاذهم جميعًا..تشبه الورود الصغيرة..أتفحص جسدى العارى فأجد العلامات متوزعة ببذخ على جسدى بأكمله..هنا على أصابعى ذات المفاصل المزدوجة..هناك على معدتى..وعلى عظمة الترقوة خاصتى..تبدو كوشوم فنية جميلة..أردت دومًا الحصول على وشم خاص بى..لكنت أخذت بضعة صورٍ رائعة ووضعتها على تامبلر فى ظروفٍ أخرى.
"رماد رماد..ثم نقع جميعًا إلى الأسفل"
أستطيع أن أقاوم وأركل وأقفز وأركل الشيطان من أحشائهم أجمعين..أستطيع أن أتسلق على جبل الأجساد الميتة..وأصل إلى قمة الحفرة وأفرّ بجلدى الموشوم بالعلامات التى تقول أننى فتاة ميتة تمشى..لكننى أتريّث قبل أن أقوم بالخطوة الأولى..أنظر إلى نفسى من منظور عين الطائر..أنظر لأجد أننى لأكون سيزييفًا آخر لو فعلت..
لو أننى كنت مشاهدًا  فى دار السينما، ولو أن هذا كان فيلمًا، لكنت خرجت ساخطةً على صانعى الفيلم جميعًا..ولكنت أردت استعادة مالىّ فى الحال..
الهروب يعنى أننى سأكون سيزييفًا آخر، وسأضحك من نفسى كثيرًا..سأكون سيزييفًا آخر ولن تكتب عنى الأساطير العقائدية لأى شعب من الشعوب..لن أكون أيقونةً فى أية ميثولوجيا..فكم أن هذا بائس وبغير داعٍ..كم أن هذا مستهلك للأكسجين..علىَّ أن أبقى هنا إذن..
سأبقى هنا إذن..
سأبكى مع جلجاميش على كل الكلمات التى كانت لتكون جميلة لو خرجت من شفاهنا..لقد سرقت الحيّة سر الخلود منّا..فصارت تبدّل جلدها كل عام فلا تشيخ أبدًا..وصارت رمزًا للتجدد والشفاء..
أما نحن فلا زلنا نتعفن فى الحفرة تحت الأرض، ونختلط بالتربة اختلاطًا أخيرًا عزيزى جلجاميش..صرنا رمزًا للكربون وأكاسيد الكبريت والنهايات الغير سارة..
لن تكون أيلولتى إلى النعيم..ولن تكون أيلولتى إلى الجحيم..سأجلس فى الترانزيت لو وجدت واحدًا..
لا زلت صاحبة الكلمة الأخيرة..الكلمة الأخيرة التى يليها الصمت فتظل عالقةً هكذا فى الهواء بشكل مضحكٍ محرج، كفانوس رمضان أمام مدخل البناية التى أسكنها..
تظل عالقة فى أذنينا بشكل مضحكٍ محرج، كعبد آبق متدلٍ من المشنقة فى بريطانيا القرن التاسع..
تبدو كلماتى غبيةً أكثر فأكثر مع مرور الوقت والصمت..
لكننى تمنيت لو أنك كنت تستعمل أنظمة السونار خاصتك لأجلى على أى حال..
لكن هذا ليس مهمًا الآن. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)