لا جديد تحت الشمس.

اليوم وصلتنى رسالة من أنا ذات الستة عشر عامًا، وقد تضمنت الآتى:
"لا أدرى متى بالضبط توقفت ماما عن الكلام..لكنى أعرف أننى أجلس الآن فى مكتبة بيتنا الدافئة أقرأ ذلك الكتاب..ماما كانت تحذّرنى دومًا من دخول هذا القسم من المكتبة..ومن قراءة هذا الكتاب بالذات..لكن هأنذا..أعتقد أنها لن تمانع كثيرًا الآن..فهى قد توقفت عن الكلام منذ العام تقريبًا.
الغلاف أنيق ولامع..مكتوب عليه "طارد الأروح الشريرة" للمستر "ويليام بيتر بلاتى"..كم أتمنى لو كان القس طارد الأرواح موجودًا بالقرب من البلدة..إذ كنت طلبت منه أن يُجلى الشياطين من جسدى على الفور..أشعر بهم كل يوم يتحركون تحت جلدى..أبصق الدماء وأظن أن الأمر انتهى..فقد قرأت فى كتاب آخر -كانت ماما تمنعنى من قراءته أيضًا قبل أن تقرر أن تصمت- أن خروج الدم من فتحات الجسد -وخصوصًا الأنف وأظافر القدم- هو علامةٌ على خروج الشياطين..
عام كامل وأنا أبصق الدم..لكن الشيطان لا زال بداخلى..أشعر به هناك يعبث بأحشائى، ويقفز هنا وهناك ككرتى الأرجوانية..
وضعت الكتاب جانبًا..وخرجت من المكتبة قاصدًا قاعة الجلوس..كان سامى الصغير هناك..يجلس تحت قدمىّ أمى التى كانتا قد بدأتا تتشوهان لسبب لا أدريه..وجهها أيضًا..يا للأسف، صار متورمًا غريبًا..يميل إلى شىء من الزرقة الأرجوانية..وبعضه غير موجود لدهشتى..
نهرت سام، وطلبت منه أن يترك ماما فى هدوء لتستريح، فقد كانت تكره أن يزعجها أحد..
لكنى بعد لا أدرى لِمَ صمتت ماما، أتظاهر بالقوة والعنفوان أمام سام، لكنى أجهل يقينًا لِمَ صمتت ماما..ولِمَ تصدر منها تلك الرائحة السيئة..ولِمَ نَحل جسدها بهذا الشكل.
لكنى أعرف يقينًا أننى لم أكن السبب...ربما هو الشيطان بداخلى..ربما عبث بعقلها وأخبرها أن تتوقف عن الكلام معى..أحثها على التوقف عن منعى من دخول ذاك القسم من المكتبة..على التوقف عن سرد حكايات توم سوير الصغير وصديقه هاكلبيرى لى قبل النوم..
لكنى بعد لا أدرى..لِمَ جعلها الشيطان على هذه الهيئة؟..لم هذه الرائحة ولِمَ هذا الذباب؟..إن ماما تجذب الذباب بشكل لم أره فى سنوات عمرى القليلة أبدًا..تجذبه وكأنها زهرة رفلسيا آرنولداى التى يعشقها الذباب..ولو أن ذلك الشخص الذى كتب "إله الذباب" رأى ماما الآن..لتغيرت أحداث قصته تمامًا..كان ليجعل القصة تتحدث حرفيًا عن إله ذباب، لا عن صبية مدللين يتقاتلون ويقتلون الخنازير البرية على جزيرة فى عرض البحر.
"

انتهى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)