ديمينشيا.

يحدثنى أبى فى الرابعة فجرا عن كيف أن الرومان كانوا يكرهون الفرس، وأن الفرس كانوا يكرهون الرومان تباعا، ثم يتصاعد الأمر فيلقى إلى بسؤال عشوائى: "لم تظنين -فى رأيك- أن مسيحيي  هذه البلد أغنياء؟ لماذا يعمل أكثرهم بتجارة الذهب؟ همم علينا أن نجد إجابة لهذا التساؤل، هلا شاركتنى تفسيرك؟"
فأهز رأسى فى استسلام وأخبره أن يتفضل شاكرا لينير ظلمات عقلى بمنارة علمه، فيتمطى باستمتاع ويمد ساقيه أمامه، ويقول:
"آه انها قصة طويلة، حين احتلت مصر من قبل عمرو بن العاص، وتم فرض ضريبة الجزية على كل من لم يرضخ لله الواحد الأحد، فإن كل من استعصى عليه الدفع، وكل من لم تكن ظروفه المالية فى أفضل حالاتها قرر فى عناد أن يهاجر بعيدا، إلى بلد بلا ضرائب، فلم يتبق هنا إلا الاغنياء والقادرين على دفع الضريبة، لذا فقد صنع الفتح الإسلامى مصفاة بثقوب ذات اتساع معين، لم تسمح بمرور إلا أغنياء النصارى، لذا تستطيعين أن ترى حتى الآن غلبة المسيحيين على تجارة الذهب ها هنا.."
فأهز رأسى فى تفكر، وأتخيل مصفاة لتصفية البشر، تتساقط منها الأجساد النحيلة -كجسدى- فى سخاء من بين ثقوبها، لترتطم بأسياخ حديدية مدببة، أسياخ كتلك التى أخبرتني عنها أميرة منذ بضعة أيام حين كنا نسير بحذاء النيل، وعن أنها تربض بالأسفل -فى قاع النيل-، وذلك حين سألتها: "كيف يتسنى للناس أن يموتوا حين يلقون بأنفسهم فى النيل من ارتفاع ليس بالشاهق؟"
أخبر أبى أنها معلومة رائعة وفريدة تلك التى ألقاها على مسامعى للتو، فيبتسم فى رضا كالعالم ببواطن الأمور، ثم يصمت قليلا ليقول بعد بضعة دقائق:
"هممم إذن، أتعرفين لم أطلقوا عليه اسم (أبى الهول)؟"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)