اليوم 237 منذ إصابتي بكوفيد طويل الأمد.

 لا أدري من أين عليّ أن أبدأ. 

في التاسع والعشرين من يناير، قررت الذهاب إلى طبيب عظام في وسط البلد بسبب أوجاع شديدة وأصوات احتكاك في مفاصلي ظهرت منذ شهر ونصف تقريبًا، وأظنها تزداد سوءًا، وأظنها جزءًا من تطور ذلك المرض الذي لا اسم له.

كان الطبيب شيخًا في أوائل السبعينات، أو أواخر الستينات على أقل تقدير، وعلى مكتبه رأيت نماذج مجسمة لعظام بشرية، مما ترك لديّ انطباعًا أول جيدًا إلى حد ما عن الرجل. أجد أن الأشخاص الذين يهتمون بالهوية البصرية للأماكن التي يشغلونها غالبًا ما يكونون بارعين فيما يفعلون. دخل الممرض معي إلى غرفة الكشف، وسألني الطبيب بشكل عرضي أين أسكن، وحين عرف أنني أسكن في الهرم، بدأ يتحدث عن إنشاء خط المترو الجديد، وكيف أن كل ذلك ما هو إلا ترهات من الحكومة، وما هو إلا وسيلة جديدة لإزعاج وتنكيد المواطن، أومأت برأسي في ملل موافقة على كل كلامه على أية حال. بدأ أخيرًا يسألني عن الشكوى، ثم بدأ يسألني عن دورتي الشهرية وإذا ما كانت منتظمة، فأخبرته أنها غير منتظمة أبدًا، ثم همّ بالسؤال عن شيء ما، لكنه توقف، نظر إلى الممرض أولًا وأخبره أن ينصرف ويغلق الباب، قبل أن يسألني: "بتشربي سجاير أو بتتعاطي مخدرات؟"، وهو ما وجدته غريبًا ومضحكًا للغاية. عادةً ما يخجل بعض الأطباء الذكور من الحديث عن أمور تخص النساء -مثل الدورة الشهرية- أمام طرف ثالث مثل الممرض، أو بالأحرى، التحدث عنها على الإطلاق. أما هذا الرجل فقد سألني عن ذلك بكل بساطة أمام الممرض، وحين تطرق الأمر إلى "السجائر والمخدرات"، هنا فقط قرر أن يصرف الممرض من أجل -على حد ظنه- ألا يحرجني!

أجبته بأنني لا أدخن ولا أتعاطى المخدرات، لكنه أصر على السؤال مرة أخرى، قائلًا: "لا تخافي، لن أصدر أحكامًا، يمكنك أن تخبريني". كررت من جديد إجابتي بـ"لا"، قبل أن يكرر السؤال للمرة الثالثة، وهذه المرة سألني إن كنت قد جربت التدخين ولو حتى مرة واحدة، ولا أدري حقيقةً ما علاقة ذلك بتشخيص أي مرض (أن تدخن مرة واحدة في حياتك)، ولكني أجبت بـ"لا" قاطعة من جديد، وبشكل أكثر عدائية هذه المرة.

أومأ برأسه متقبلًا الإجابة أخيرًا، ثم أخبرني أن أذهب إلى سرير الكشف، وأن أكشف عن ظهري، وأن أقف وأستند بيديّ على السرير، وهو ما فعلت بشكل روتيني. جاء الرجل ومعه تلك الأداة التي تشبه شاكوشًا صغيرًا، والتي يستعملها أطباء المخ والأعصاب ليدقوا بها على المفاصل لقياس ردود الأفعال، وأصبح يدق بها على ظهري بشكل عشوائي، الأمر الذي أثار ريبتي بعض الشيء، لكني افترضت أن ذلك جزء من أحد الفحوصات الطبية التي لا أدري عنها شيئًا بالتأكيد لأنني -كما يخبرني الأطباء مرارًا- لست طبيبة. 

أخبرني الرجل بعد ذلك أن أستلقي على السرير وأكشف عن معدتي، وأتى بأداة، أو جهاز من نوع ما، به إبرة صغيرة، وأخبرني أنه سيوخزني بتلك الإبرة، وسيقوم بتوليد شحنة كهربية بسيطة باستخدام هذا الجهاز في أماكن متفرقة، وعليّ أن أخبره إذا ما كنت قد شعرت بالوخز والكهرباء أم لا. اختبار وخز الإبرة ذلك أراه أحيانًا في فحوصات المخ والأعصاب، لكنهم يقومون به على باطن القدم (اختبار علامة بابينسكي) أو ربما الساقين أو الذراعين فقط في معظم العيادات التي ذهبت إليها.

بدأ الرجل في وخز معدتي في أماكن متفرقة، وأخبرته في كل مرة أنني أشعر بالوخزة، ثم، بدون أن يسألني أولًا، قام برفع الكنزة التي أرتديها، وكشف عن صدري، وبدأ يوخزني في أحد ثديي، وهو الأمر الذي وجدته غريبًا للغاية. بدأت هنا أسمع صافرات الإنذار تنطلق من مكان ما في عقلي. أنا معتادة على كشف صدري لأطباء القلب من أجل فحص الموجات الصوتية، لكنهم دومًا يقومون بالفحص بشكل غير مهين، تعرف ما أعنيه؟ يعطونك دومًا ملاءة لتغطي جسدك بها، ويطلبون منك أن ترفع ملابسك بنفسك، ويسألونك أولًا قبل أن يقوموا بفعل أي شيء. لا أحد يحب أن يجعل مريضًا لا يشعر بالارتياح فوق كل الآلام التي يشعر بها بالفعل، ولا أحد يحب أن يرى الغرباء جسده في عالم يرتدي فيه البشر الثياب طوال الوقت، وبالأخص في بلد يرى أهله في العُري رمزًا للشرّ والشهوانية والعار.

لكن الرجل باشر ما يقوم به، ومن دون أن يسألني، قام بإنزال بنطالي قليلًا ليكشف عن خصري، وقام بوخز خصري وسألني إن كنت قد شعرت بالوخزة أم لا، ثم قام -من دون سؤالي أيضًا- بإنزال البنطال أكثر فأكثر ليكشف عن فخذيّ وساقيّ، وقام بوخزهما في أماكن متفرقة. في هذه اللحظة كنت تقنيًا أجلس بملابسي الداخلية، وحدي أمام طبيب لم أره في حياتي أبدًا قبل اليوم، يقوم بفحوصات غير مبررة طبيًا، بشكل فجّ للغاية، وكان هناك -كالعادة في أي موقف مماثل- صوتان في رأسي، الصوت الذي يقول إن هذا غير طبيعي، وإن عليّ أن أهرب الآن، والصوت الآخر الذي يقول "دعكِ من هذا، الرجل طاعن في السن، أي سبب يجعله يخاطر بسمعته ورخصة ممارسة الطب خاصته من أجل أن يرى جسد مريضة؟ وأي شيطان أخبرك أن هذا ليس فحصًا طبيًا روتينيًا؟ أنتِ لست طبيبة، أتتذكرين؟ كما أن الناس يقولون إنه طبيب ممتاز على فيزيتا."

استمر الرجل في تمرير الجهاز على ساقيّ، وسؤالي إن كنت أشعر بالوخز أم لا، حتى قام بتمرير الجهاز على منطقة ما من ساقي -لا أذكر اليمنى أم اليسرى- ولم أشعر بالوخز! بدأت في الهلع، وسألته عن معنى ذلك، فقال إن هذا قد يعني احتمالية وجود التهاب في الأعصاب، وإن السيالات العصبية لا تنتقل بشكل صحيح. استمر في تمرير الجهاز على مناطق أخرى من ساقيّ، واستمررت أنا في عدم الشعور بالوخز، والهلع بسبب ذلك.

أخبرني حدسي -الذي يكون على حق في أحيان كثيرة- أن أنظر إلى الجهاز وهو يمرره على ساقيّ، لأنني لم أستطع تصديق أنني لا أشعر بوخز إبرة حادة مثل هذه، ولو بشكل خافت. نظرت، فرأيت أن الرجل لم يكن يقوم بإخراج الإبرة أصلًا في تلك المرات التي لم أشعر فيها بالوخز. ولذلك، وفقط لذلك، لم أشعر بالوخز!

تغلب الصوت الأول في رأسي على الصوت الثاني في النهاية، عندما طلب الرجل مني أن أنقلب لأنام على معدتي، حتى -على حد قوله- يفحص عضلات ساقيّ من الناحية الأخرى. وبالطبع، فإن هذا هراء بحت.

امتدت يديّ تلقائيًا إلى بنطالي لأرفعه كما كان، وتمتمت بالكثير من: "لا، أنا مش مرتاحة"، وقمت من على سرير الكشف، والرجل يصر على ما طلبه قائلًا: "انتي حرة! كده مش هانعرف ايه المشكلة، لازم أكشف عليكِ كويس، انتي مش حاسة بالإبرة. دي حاجة مش طبيعية!"

عدت لأجلس على الكرسي أمام مكتبه، ولم أسمع كلمة واحدة مما قاله بعد ذلك، كنت في خضم نوبة هلع خفية، وعقلي يحلل كل ما حدث للتو.

طلب الرجل مني تحليليّ دم، أظنهما للكشف عن الروماتيزم، أو ما شابه، وحين سألته عن احتمالية إصابتي بمرض عضّال في العضلات (مثل التصلب الجانبي)، أجاب: "لا أجد ما ينفي احتمالية ذلك. سنعرف بمزيد من الفحوصات".

وفي طريقي إلى الباب أخبرني: "آسف لو الفحص ضايقك بس ده العادي بتاعنا". أحيانًا، تبهرني قدرة تلك الحثالات على خداعك، وإشعارك بأن كل شيء سيء يفعلونه بك ما هو إلا كذبة كبيرة في عقلك أنت وحدك. لا شيء مما حدث في تلك العيادة عادي بأي شكل.

خرجت من هناك وأنا أرتعد، وأشعر بكل أعراض ما بعد الصدمة. كنت ما زلت أجد كل ذلك عسيرًا على التصديق، وبدأت في الظن أنني لربما بالفعل أعاني من التهاب في الأعصاب، أو ما هو أسوأ من ذلك، فأخرجت هاتفي، وقمت بالبحث عن أطباء عظام آخرين متواجدين في هذا الوقت من ليلة الأحد في الجيزة أو وسط القاهرة، فلم أجد الكثيرين من ذوي الشهادات والألقاب الأكاديمية المرموقة بهذه الأوصاف. وقع اختياري أخيرًا على طبيب قدير في برج الأطباء بالدقي، يتكلف كشفه ألف جنيهًا. ابتلعت كل غضبي من الظروف التي ستضطرني لدفع ثمن كشف آخر عند طبيب آخر، في حين أنني كنت قد دفعت لتوي ثمن كشف عند طبيب يعمل في نفس التخصص، فقد كنت أمر بنوبة هلع، وأظن بعقلي الظنون، وفكرة أنني لم أشعر بوخز الإبرة في ساقيّ تخيفني، ولا تترك لي خيارًا آخر.

كان طبيب الدقي لطيفًا للغاية، مهنيًا للغاية، وعلى الفور رأيت الفارق بينه وبين ذلك الرجل الآخر. أخبرته بما حدث، وبتفاصيل ذلك الفحص الغريب، فأخبرني أنه من الجيد أنني غادرت فور شعوري بعدم الارتياح، واعتذر لي عما حدث، لكنه لم يقل أكثر من ذلك، واستشعرت منه شيئًا من الخوف من أن يخوض في سمعة طبيب آخر. 

حين عدت إلى منزلي، تناولت دبوسًا من دبابيس أمي، وقمت بتمريره على كل ملليمتر من جسدي، وشعرت بكل وخزة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)