في أحد تلك الأيام. (2)
ذهبت أول أمس لزفاف صديقة قديمة من المدرسة تُدعى رنا. لم نكن صديقتين مقربتين كما قد يبدو لك، لكنها دعتني على أية حال، وقد تأثرت كثيرًا لذلك، فهي لم تدع من أصدقاء المدرسة إلا عددًا يُعد على أصابع اليد. ارتديت الكنزة الوردية والتنورة الكاروهات البنية القصيرة، ومررت بسيارة الأجرة على لُطفي لنذهب معًا إلى مكان الدعوى على كورنيش المعادي.
دخنت بعض سجائر التوت مع إحدى صديقات لطفي، وتُدعى نادين. أظهرت حضوري للعروسين في صورة مصافحة للعريس وعناق طويل للعروس، ثم أخذت مكاني في صفوف المقاعد، ورُحت أمسد بيديّ على ذراعيّ وكتفيّ وكأني أعانق جسدي، وهي حركة لا إرادية أقوم بها لتهدئة نفسي حين أكون في مواقف اجتماعية حرجة. بدأ الجميع في الرقص على الأغاني السوقية المعتادة، وبقيت أنا في مقعدي أتقلص داخليًا.
بالأمس قمت بتأدية أغنيتين في حفل الكريسماس الذي أقامته مدرسة الموسيقى التي أدرس بها. لم ترتعش ساقيّ أو تتحولا لعوديّ معكرونة إسباجيتي كما اعتادتا من قبل عندما أقف أمام جمهور من الناس، وهي علامة جيدة إن أردت رأيي.
لا أنفك أفكر فيما حدث مع يوهانس. الكثير من الدراما مع حبيبته السابقة أصابته بنوبات فزع وارتباك جعلاه يتصل بي ويخبرني أنه غير قادر على أن يعطي أحدًا أي شيء الآن، أو كما قال: "I can't give love right now". أخبرني أن علينا أن نتصرف كالأصدقاء من الآن فصاعدًا، وأن نأخذ الأمور برتم هادئ حين يعود إلى مصر. أنت تعرف أنني أمقت الميلودراما، لكني -ويا للسخرية- شخص ميلودرامي للغاية لأصدقك القول، لذلك لم أشعر بنفسي حين بدأت في بكاء صامت وهو يحدثني بتلك الكلمات على الناحية الأخرى من الهاتف، فهذه تقريبًا هي المرة الثالثة التي أسمع فيها كلمات مماثلة. أخبرته أنني أتفهم كل ذلك، وأن ما يمر به هو أمر فظيع (وهو كذلك بالفعل، أنا جادة)، ثم أغلقت الخط واستكملت جلسة الميلودراما، أو البكاء الصامت في رواية أخرى.
بعثت له برسالة طويلة في اليوم التالي، أخبره أنني لا أقدر على أن أكون صديقة لشخص أكن له مشاعر، أعني.. الأمر مؤلم، سأحتاج إلى رفش ضخم لأصنع حفرة كبيرة أدفن فيها كل ما أشعر به. أخبرته أنني أحتاج لوقت حتى أهدأ وأتمكن من التأقلم مع وضع الأصدقاء هذا. لم يرد على رسالتي الطويلة ذات العشرين سطرًا إلا بسطرين بسيطين: "أتفهم ذلك، آسف لأنني أشعرتك بالألم، كوني بخير". بدا لي ذلك كوداع من نوع ما؟ كأننا لن نتحدث مرة أخرى، وخصوصًا هذه الجملة: "كوني بخير"، تذكرني بما قاله إسلام في آخر رسالة بعثها لي: "I wish you well".
أفتقده كثيرًا في الحقيقة، رغم كل ما قاله أصدقائي حين أخبرتهم بما حدث عن أنه كان فقط يستمتع بوقته في بلد أجنبي، وأنه لم يكن يرغب في علاقة طويلة الأمد. أضبط نفسي في كثير من المرات وأنا أفتح تطبيق سيجنال وأقاوم رغبتي في أن أبعث له برسالة تقول: فليذهب كل ما حدث للجحيم، أفتقدك كثيرًا.
على أية حال، أصبت بنزلة برد شرسة بعض الشيء، لكني سأظل حية على ما أظن. سأذهب لصنع القهوة الآن. سلام.
تعليقات
إرسال تعليق