ديسمبر. (1)
دعني أوضح كيف وصلنا إلى هنا..
كنت أتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي تحتوى على الكثير من درجات اللون الأزرق، يقولون أنه لون مهدئ للأعصاب، وأجد هذا باعثًا للسخرية في الحقيقة.. ثم ظهر أمامي ذلك الاعلان الغريب من اللا مكان. كان يقول: "الآن ولفترة محدودة يمكنك الحصول على قوة خارقة مجانًا، قوة تحقيق الأشياء بمجرد تخيلها. إذا أردت الاستمرار فقط عليك بوضع اصبعك على شاشة هاتفك، وتخيل أنك تمتلك القوة، فقط عليك أن تتخيل أن لديك القوة بالفعل، فإن فعلت هذا بالقوة الكافية، فستكون لك القوة."
استرعت فضلات الثيران هذه انتباهى، بدا ذلك مضحكًا كإعلانات مواقع المواعدة العشوائية، أو تلك الإعلانات الأخرى التى تعدك بتكبير قضيبك في عشر دقائق. لكنى كنت في مزاج رائق لبعض الهراء وقتها، لذا فقد وضعت اصبعى على الشاشة، أغمضت عينيّ وتخيلت أننى أمتلك القوة، اختلقت صورًا لى وأنا أشعل نيرانًا بمجرد تخيلها، أنتقل آنيًا إلى تورونتو فقط بتخيل أنني فعلت..ثم فتحت عينيّ...
لم يحدث شيء بالطبع، ماذا عساه أن يحدث؟
نظرت إلى باب الغرفة التي كنت أجلس فيها، تخيلت أنه مفتوح، فسمعت في لحظتها صوت "كليك" ثم صوت صرير إذ انفتح الباب. وهكذا، صرت أملك القوة.
أنا الآن أنظر في المرآة، أمتلك وجهًا جميلًا.. أنا أعمل كموظفة استقبال عند رجل مهم ما من هؤلاء الرجال المهمين الكثر.. في شركة من شركات ناطحات السحاب تلك.. أُمثّل الصورة النمطية لموظفات الاستقبال البيضاوات.. وجه جميل متماثل، جسد متسق، قميص أبيض وربطة عنق، تنورة قصيرة، جوارب طويلة خفيفة.
حدث في صباح أحد الأيام -بعد امتلاكي للقوة بالطبع- أننا كنا نأخذ المصعد إلى أعلى.. أنا وذلك الرجل المهم، وحدنا في المصعد.. وفي اللحظة التي انطبق فيها مصراعيّ الباب على بعضهما، اقترب مني وحاول أن يقبّلني، وأن يتلمس جسدي.. دفعته بعيدًا عني، ولكنه -لاهثًا- لم يتوقف عن محاولاته الخرقاء.. وفي اللحظة التالية، توقف المصعد وانفتح الباب، فرأيت امرأة تقف هناك، تحدق فينا بصدمة وغضب كأحد آلهة الأوليمب.. يبدو أن هذه زوجته أو شيء كهذا، وقد كانت عيناها تطلقان شررًا في هذا اللحظة..لذا فقد دفعت الرجل المهم بعيدًا عني، وأطلقت ساقيّ للرياح إلى خارج المصعد.. سمعتها تصيح من خلفى: "أنتِ! توقفي عندك!".. ثم صرخت فى رجال ونساء أمن المبنى بأن يطاردوني، وأن يمسكوا بي مهما كلف الأمر..
ركضت وركضت..
اختبأت في المطبخ تحت أحد الأحواض..سمعت أحد الطباخين يخبر زميله أن "تلك المرأة المجنونة" قد كلفت كل المجرمين بالسجون بالبحث عني، مع وعد بإطلاق سراح غير مشروط لمن يجدني.. واو، يبدو أنها لا تعرف المزاح..
قدّرت بأن عليّ استخدام قوتى الآن، فتخيلت وجوهًا عشوائية لرجال ونساء في زنازين السجون، ثم بدأت أتحدث إليهم فى عقلي.. رسمت وجوهًا لعشرة منهم، ثم أخبرتهم: "أنا في كاليفورنيا، ابحثوا عني في كاليفورنيا".. ثم تخيلت عشرةً آخرين، وقلت: "أنا في فلوريدا، ابحثوا عني في فلوريدا".. ثم تخيلت عشرين آخرين، وقلت: "أنا في المجر، ابحثوا عني في المجر".. وهكذا، بقيت أتخيل الوجوه وأردد مواقع عشوائية حول الكرة الأرضية لكل دستة منهم، أراهن أن ذلك سيصيبهم بالدوار.. لا أظنهم سيجدوننى أبدًا.
لكني -ولا أخفى عليك- كنت أواجه بعض المخاوف.. ففي بعض الأحيان لا يكون باستطاعتك التحكم في مجرى أفكارك.. فلو أن أحدهم أخبرك أن تتوقف عن التفكير في الفراشات، فإن أول شىء سيتبادر إلى ذهنك على الفور هو صورة لفراشة.. أذكر حين كنت فى التاسعة وقد أخبرنى مدرس اللغة العربية أنه لو حاول أحدهم التفكير حتى في هدم الكعبة، فقط مجرد التفكير للحظة واحدة، فإن الرب سيرسل صاعقة من السماء تقتله على الفور.. فبقيت أيامًا أدفع الفكرة بعيدًا عن ذهنى خوفًا من التحول إلى برجر مشوى.. لكنى -رغم أنفي- لم أستطع منع عقلي من التفكير فى الأمر..
لذا فقد كنت خائفة من أن أفقد السيطرة، فيزلّ مجرى تفكيري، وأفصح عن موقعي الحقيقي بدلًا من تلك المواقع المزيفة..لكني لم أفعل على أية حال..
أنا الآن في أمان تام..
حسن فلنكف عن العبث الآن، حان وقت الفرار، فقد اقترب موعد الغداء وأنا لم أتناول شيئًا غير شطيرة زبدة فول سودانى منذ الصباح..
تخيلت أنني غير مرئية، وكأنني أرتدي عباءة الإخفاء.. وقد كان، نظرت إلى أكفّ يديّ فلم أجد شيئًا هنالك..
شققت طريقي إلى خارج المبنى وأنا أفكر في سلطة البطاطس والبازلاء..
يُتبع..
منتظر 😃🤗
ردحذف