تيك توك.

بالأمس عرجت على أحد فروع (اتصالات)، أحمل معى شريحة هاتفى التى لازمتنى منذ العام 2012، تحمل بداخلها إرثًا من الأسماء وأرقام الهواتف لأشخاص مررت عبر خطوطهم الزمنية فى يوم من الأيام..
قررت الشريحة أن تتوقف عن العمل لسبب ما على مشارف هذا العام بالذات، ولأننى شخص يقدّس كل ما ينتمى إلى الماضى، رفضت شراء واحدةً جديدة، وقررت أن أصلح العطب بها مهما كلفنى الأمر..
كنت أحتفظ بالشريحة فى محفظتى القديمة خشية أن تضيع..لم أر ما بداخل تلك المحفظة منذ عام ربما..
أخرجتها من حقيبتى لألقى بنظرة عما بالداخل، لا أستبعد خروج بعوضة أو شىء كهذا..
أوه ماذا لدينا هنا؟..ألتقط تذكرة أتوبيس تبدو بحالة جيدة من الجيب الداخلى، ثمة كتابة على الوجه الخلفى: 
"يوم زادت ديوننا 15 جنيهًا
11/4/2018
Booklet"
آه نعم، أتذكر ذاك اليوم منذ ما يقارب العامين..حين وقفنا نتعرق فى توتر أمام ماكينة الكاشيير، نفتش عن خمسة عشر جنيهًا إضافية حتى ندفع ما ندين به إلى المقهى..
حتى قرر الرجل أمام الكاشيير أن يترفق بنا، على أن نعود بالغد لسداد الدين..وقد فعلنا فى اليوم التالى..
عقدنا العزم ذلك اليوم على أننا فى يوم من الأيام سوف نصنع ثروة هائلة، وسنتذكر ذلك اليوم الذى لم نكن نملك فيه 15 جنيهًا إضافية من أجل فاتورة مقهى، وسنضحك كثيرًا، لأننا -وقتها- سوف يكون بوسعنا شراء هذا المقهى بأكمله..
ويوو، يا للوقت..هل مر عامان بالفعل؟
أشعر برغبة فى البكاء -من أجل استكمال ميلودرامية الموقف كما تعرف- لكنى أبتلعها على أية حال..
"على العميل رقم A-36 التوجه إلى شباك رقم 5"
قبضت على الشريحة فى كفّى، ووقفت أمام الموظف أفسر له العطب، فقط ليخبرنى فى أسف أنها لن تعمل مرة أخرى.."الأرقام اللى كانت عليها كده باى باى"..
أشعر بالدوار..كل شىء يتغير..أنظر من خلال الواجهة الزجاجية لأرى على الناحية المقابلة من الشارع مقهانا المفضل..ذلك الذى جلسنا نتحدث فيه لأول مرة منذ خمس سنوات تقريبًا..لقد أُغلق وصارت مكانه فجوة مظلمة وفارغة..لن نجلس مجددًا فى طاولتنا المفضلة بجوار الساقى، وننزعج من صوت الخلّاط إذ يخفق اللبن والقهوة لصنع مشروبنا المفضل..
ابتعت آسفةً شريحة هاتف جديدة لأضعها فى هاتفى الجديد
"ثمنها 112 جنيهًا"
أبدأ فى التلعثم لأننى لم أملك إلا 105 جنيهًا..لكن الرجل أمام الكاشيير يترفق بى ويعيد إلىّ الخمسة جنيهات "عشان تروّحى بيهم"..أشكره وأقول أننى سأعرج عليهم بالغد لسداد الاثنى عشر جنيهًا..
"يوم زادت ديونى 12 جنيهًا"
أنا الآن بالشارع، هواء الليل البارد يصطدم بوجهى، أرسل الطرف نحو الشارع الذى تسكن به وأفكر:
لم تعد "ديوننا"..هى ديونى وحدى الآن..هاها يا للسخرية

أتأمل قائمة الأرقام بهاتفى الجديد، فارغة تمامًا بالطبع..لم أستخرج من ذاكرتى إلا رقم هاتفك..أكتبه وأضع بجانب اسمك ذلك الرمز لتلك الرقصة الشهيرة، تلك التى تصنع فيها بذراعيك موجة متصلة، تعرفها؟
~o~

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من القطط والبشر.

مُولي.

شىء ما بالأعلى غاضب الليلة. (2)