هذا المنجنيق لن يسافر إلى السماء.
نحن هنا -على منصة الفضاء السايبرى هذه- نتشدق بالمبادئ الفلسفية التى من شأنها السمو بك إلى ما فوق العالم البشرى، لتصير إلهًا آخر ممن تعج بهم الأساطير..لكنت عنونتها: كيف تصير إلها 101..وفيم سترغب جيناتك النرجسية إن لم يكن هذا؟ هل ترغبين فى التكاثر والإبقاء على النوع أيتها الجينات النرجسية؟ لا، لقد ولى زمن التكاثر والإبقاء على النوع منذ تداعت مظاهر القبلية يا عزيزى..نحن بضعة مليارات هنا على هذا الكوكب، والمكان يتداعى فوق أمهات رؤوسنا كل يوم عن ذى قبل، يموت ببطء مثل تسجيل فيديو غير مُسرّع لأوراق الأشجار وهى تجف تدريجيًا عند مقدم الخريف..لا داعى للسرعة فالطبيعة تملك كل الوقت..لعلنا نحسدها من أجل ذلك..أو أحسدها أنا على الأقل..علىّ اللعنة فهى ليست شخصًا لأصب عليه جام مشاعرى البشرية الجوفاء..لكن -ماذا أقول؟- أنا بشرية أخرى..اسم آخر فى السجل المدنى..أكتب فى مدونة "كيف تصبح إلهًا 101" وأنا لا أملك شهادةً موقعة من مركز تدريب الآلهة..والأدهى من ذلك هو أننى لا أعمل بنصائحى الخاصة..أعلم أعلم..
تحدثنا هنا عن كل الأمور الرائعة التى كانت لتحدث لو أن الإنسان كان له أن يتحرر من رغبات جيناته الخرقاء..جينات تتقافز فى كل مكان صارخةً برغباتها فى الانتقال منك وإلى مركبة أخرى..بيت جديد..تعلم بالطبع أننا مركبات من لحم وعظام تقودها بضعة جينات، وتلك الجينات -المصابة بجنون العظمة بالمناسبة- تظن أنها من الجودة والجدارة التى تجعلها تستميت فى الانتقال إلى مركبة أخرى جديدة، وشابة، وصحيحة..قبل أن تبدأ المركبة القديمة -أنت- فى التداعى، فينخرب بيتها ثم تموت على الأرجح..
فتدبّ الطبيعة بقبضتيها على سطح مكتبها فى غضب على إثر موتك، فيجفل الجميع ويختبئون..إنها غاضبة، إذ لم تتوفر لها فرصة معرفة ما كانت جيناتك ستصنع لو أن البقاء قد كُتب لها..لقد قُطع شريط الفيلم ولن يكتمل أبدًا..من يعرف؟ ربما لصنعت تلك الجينات المائتة يسوع التالى..ربما لصنعت ديل كارنيجى آخر، فيتسنى له أن يكتب أكثر من كتابيه الوحيدين اللذين كتبهما ثم توفى..ربما لصنعت تجربة فاشلة أخرى مثل طائر الدودو..حينها فستضطر الطبيعة -صارمةً أو لعلها منتشية- إلى ازالة الحاجز الزجاجى من فوق الزر الأحمر على جانب مكتبها فالضغط عليه..فتندثر التجربة الفاشلة وتتحول إلى أصفار وآحاد متطايرة كما فى ألعاب الفيديو، كأنها لم تكن..مثل تجارب الدكتور يوسف منجيل الفاشلة -إن كانت قد حدثت بالفعل- إذ أحرقتها قوات الجستابو، "الروس قادمون" كان آخر ما سمعته المرأة ذات الرأسين قبل أن تندلع فيها النيران، وبالطبع فقد صرخ رأساها قبل أن يتحدا فى صورة رماد..
لكن يوسفًا لم يكن يملك مكتبًا فخمًا كذلك الذى تملكه طبيعتنا بالطبع..
لا أحد سيكتب عنك، لن يتم ذكرك فى منصات الفضاء السايبرى الخاصة بأحدهم، سيتم ذكر آخرين ولكن ليس أنت..أنت تجربة سيئة أخرى من تجارب الطبيعة..طائر الدودو يلوح لك مُرحبًا من سحابته الخاصة، مرتديًا طوقًا ذهبيًا من أطواق الملائكة..تبدأ فى تحسس ما فوق رأسك..
"هل سنصبح جيرانًا يا بشرى أنت أم ماذا؟"..لكنك مشغول بالتساؤل؛ تُرى كم من المال ستجنى إن بعت طوقًا ذهبيًا كهذا على الأرض؟ وهل يزن ذهب السماء مثلما يزن ذهب الأرض؟ لن تعرف أبدًا..
لن يكتب عنك أحدهم، تظن جيناتك -كأى أم فخور- أنك الأفضل..فتثير السوائل الملحية فى عينيك على إثر هذه الأخبار الغير سارة لها..وإنى أدعوك إلى ألا تقع فى هذا الفخ المعروف، وألا تنطلى عليك تلك الخدعة القديمة قِدم الوعى البشرى..دعنا نسمو فوق ذلك..هلم، فلنكن آلهة العصر الحديث..
لكن السائل الملحى كان قد تكون بالفعل..الصمامات تسمح للمزيد منه بالمرور..صمامات حمقاء ونظام تحكم مصمم على يد مهندس فاشل بالطبع..لكن دعنا من هذا، أنت -أو وعيك الخاص- يدرك جيدًا أنه يخالف كل ما تشدق به يومًا هنا على هذه المنصة اللعينة..وإن هذا لهو أكثر الأجزاء إثارة للشفقة فى كل هذه المعمعة الغير ضرورية إن أردت رأيى.
تعليقات
إرسال تعليق