لا أدري. (4)
لم تهضم خلايا دماغي بعد حقيقة موت أبي، أدرك هذا كل يوم. أعني.. تأتيني تلك اللحظات التي يتوجب عليّ فيها أن أردد: "إنه ميت.. لقد مات.. إنه ميت" بصوت عالٍ، حتى أتمكن من تصديق أن ذلك قد حدث بالفعل. لا زال عقلي يعيش في عالم لم يمت فيه أبي. أراه في نومي كل يوم تقريبًا، حي يُرزق، ويجد عقلي ثغرة ما يستعملها ليفسر بقائه على قيد الحياة. فمثلًا رأيت في مرة أننا تمكنا من إنقاذه في آخر لحظة قبل موته بالإنعاش القلبي، ومرة أخرى رأيت أننا قمنا بدفنه بالخطأ، وأنه كان فقط فاقدًا للوعي ونحن -كالحمقى- ظننا أنه مات، ونسمع طرقات على الباب ونفتح لنجده هناك، شعره أشعث وممتلئ بالغبار والتراب، ويخبرنا أننا حمقى وأننا ظنناه مات، وأن التربي سمعه يطرق على سقف القبر لحسن الحظ، فأزاح الرخام وأخرجه من هناك. في مرات أخرى، أراه شابًا في الثلاثين من عمره، ومرات أخرى أراه في الثالثة والسبعين من عمره (وذلك مستحيل لأنه مات في الواحدة والسبعين)، وفي مرة رأيت أننا عرفنا سلفًا أنه سيموت بعد عدة أيام، فظللت أبكي كثيرًا، وظل هو يخبرني أنه لا بأس، لا داعي للحزن، لقد حان ...