المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, 2021

لا أدري. (4)

               لم تهضم خلايا دماغي بعد حقيقة موت أبي، أدرك هذا كل يوم. أعني.. تأتيني تلك اللحظات التي يتوجب عليّ فيها أن أردد: "إنه ميت.. لقد مات.. إنه ميت" بصوت عالٍ، حتى أتمكن من تصديق أن ذلك قد حدث بالفعل. لا زال عقلي يعيش في عالم لم يمت فيه أبي. أراه في نومي كل يوم تقريبًا، حي يُرزق، ويجد عقلي ثغرة ما يستعملها ليفسر بقائه على قيد الحياة. فمثلًا رأيت في مرة أننا تمكنا من إنقاذه في آخر لحظة قبل موته بالإنعاش القلبي، ومرة أخرى رأيت أننا قمنا بدفنه بالخطأ، وأنه كان فقط فاقدًا للوعي ونحن -كالحمقى- ظننا أنه مات، ونسمع طرقات على الباب ونفتح لنجده هناك، شعره أشعث وممتلئ بالغبار والتراب، ويخبرنا أننا حمقى وأننا ظنناه مات، وأن التربي سمعه يطرق على سقف القبر لحسن الحظ، فأزاح الرخام وأخرجه من هناك. في مرات أخرى، أراه شابًا في الثلاثين من عمره، ومرات أخرى أراه في الثالثة والسبعين من عمره (وذلك مستحيل لأنه مات في الواحدة والسبعين)، وفي مرة رأيت أننا عرفنا سلفًا أنه سيموت بعد عدة أيام، فظللت أبكي كثيرًا، وظل هو يخبرني أنه لا بأس، لا داعي للحزن، لقد حان ...

أشياء تحدث لأشخاص.

  مرّ عيد ميلاد أبي هذا العام مر الكرام، أردت أن أكتب شيئًا في هذا اليوم، كنوع من -تعرف- تكريم ذكراه؟ هذا هو عيد ميلاده الثاني في القبر، لكان في الثالثة والسبعين الآن. على أية حال، بالأمس مررت ببعض الحوادث المثيرة لتقلص الوجه، مثلًا الأوفيس بوي في الشركة سألني وهو يتناول مني النقود مقابل كيس رقائق البطاطا: "هل أنتِ هادئة هكذا دومًا؟ أراهن أنكِ صاخبة جدًا في المنزل هاها." آه فقط تناول النقود يا رجل، لِم علينا تبادل أطراف الحديث كأننا نهتم بشكل عميق لأمر بعضنا البعض؟ ابتسمت له على أية حال وقلت كاذبة: "هاهاها لا، أنا هكذا دومًا." لم أشأ بالطبع أن أقول إنني فقط لا أستلطف الجميع كثيرًا هنا وأن جلّ ما أرغب فيه هو أن أُترك وشأني. فقال شيئًا جديرًا برجل مثله أن يقوله (أوه لا تنظر إليّ هكذا، أحيانًا تكون آراء الناس واضحة على وجوههم، أنا لا أطلق أحكامًا فارغة هنا): "كويس كويس، هو المفروض البنات تبقى كده أصلًا، مش زي اليومين دول تلاقي صوتها أد كده واصل للشارع هاهاهاها." لم أقدر (ولم أرغب في) مقاومة ذلك التقلص في عضلات وجهي وتركته يظهر للعيان، ودارت عيناي في محجريهما ...

لأنه رجل لطيف طيب (ولا أحد ينكر ذلك).

  "آه يا أبناء الملاعين، يا شياطين الأرض!" هكذا يبدأ السيد خوري صباحه كل يوم، بالصراخ بصوت عالٍ وسب كل من ليس على هواه، وهم كثر إن أردت رأيي. كان السيد خوري رجلًا خمسينيًا كريهًا منفرًا، بلحيته الرمادية الكثيفة وملامحه الغليظة. على الرغم من ذلك، تبدو في ملامحه بقايا وسامة عربية قديمة إن كان لي أن أعترف بذلك. كان رجلًا مرتابًا، لا معارف له ولا أصدقاء، اللهم من أخيه الأصغر الذي كان يزوره من الحين للآخر. كان السيد خوري يدين بنسخة مثيرة للإهتمام من الإسلام. تعرفون أن هناك عدة نسخ من كل ديانة ولدت في هذا العالم، أجرؤ على القول إنهم نسخ لا نهائية، أو فلنقل أنهم بعدد أفراد هذا الكوكب من باب عدم المبالغة هاها. وكأي مسلم يدين بهذه النسخة المضحكة من تلك الديانة الحديثة نسبيًا، فإن السيد خوري كان يكره النساء والملحدين كراهية عمياء، يمقتهم حتى الموت، ويصرخ في صباح كل يوم داعيًا عليهم بالخراب، وبأن يغرقوا في بحر من الحمم السائلة حتى تذوب عظامهم. وقد كان يعيش في الطابق الأرضي للبناية التي أسكن بها، بداخل متجر البقالة خاصته.  كان يضع كاميرا للمراقبة فوق باب متجره، ويجلس كل ظهيرة يراقب المار...

nothing specific

إنه الإثنين، اليوم الذي يمقته جارفيلد لسبب ما. كان من المفترض أن أذهب إلى درس الجيتار اليوم في القاهرة الجديدة، لكن ما تبقى معي من نقود لم يعد يسمح لي بسداد مصاريف الدراسة هذا الشهر، فبعثت لهم برسالة على واتساب أطلب وقف الدروس حتى شهر ديسمبر، لم يبعثوا لي برد حتى الآن على أية حال.  هذا الصباح في باص الشركة  قضيت الوقت في قراءة رواية لساراماجو اسمها "المنور". لا تعجبني كثيرًا بصراحة، وهي بعيدة كل البعد عن أسلوب ساراماجو الذي ألفته، رواية اجتماعية تروي الأحداث اليومية في حيوات مجموعة من الجيران يعيشون في بناية ما، كتبها ساراماجو في شبابه حين كان في العقد الرابع من عمره، ولم تُنشر أبدًا حتى بعد موته.  لقد مر وقت طويل منذ أن كتبت أي شيء هنا، ومهاراتي القصصية يعلوها الصدأ، لكن لا بأس، ها نحن ذا.  بالأمس، أردت العودة للمنزل كي أقوم بغسل وتصفيف شعري، ثم بدء تعلم مقطوعة لشوبين، لم أتعلم أي شيء جديد على البيانو منذ وقت طويل طويل. أول أمس، كان هناك بيانو قديم في تلك الفيلا التي أقمنا فيها حفل الهالوين، نعم، حفل هالوين في نوفمبر، كما قرأت، وإذ وقفت أمام ذلك البيانو، أدركت أنني ...