المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, 2021

إضاءات. (9)‏

"إننا نذهب إلى القبر ملفوفين بشرشف فحسب، فلماذا تُجهدين نفسك هكذا؟"

المنضدة.

  اليوم، حرّكت أمي منضدة السرير الخاصة بأبي من مكانها لأول مرة منذ ما يقرب من العام ونصف. استيقظت على أصوات تحريك الأثاث، ورائحة البخور التي تخبرني دومًا أن أمي في مزاج طيب اليوم للقيام بالأشياء. في طريقي إلى صالة بيتنا، لمحت فراغًا في غرفة أبي، كانت مكانه تلك المنضدة التي كانت يومًا بجانب سريره، قبل أن يحركها أعمامي وخالي والمغسّل إلى ركن الغرفة، ليفسحوا مكانًا لتغسيل جسد أبي ظُهر يوم موته. ومنذ ذلك اليوم ولم تجرؤ أمي على تحريكها إنشًا من مكانها، بل ولم تلمس شيئًا من الأغراض التي كانت عليها، حتى اعتلاها ركام من التراب. اليوم رأيت هذه المنضدة نظيفة وسطحها لامع خال تمامًا من الأغراض لأول مرة منذ فترة طويلة. وإن دل ذلك على شيء، فإنه دليل آخر جديد يصرخ في وجهي بأن أبي لم يعد هنا بعد الآن، اختفت علامات وجوده المتبقية. اعتدت أن أحدق في هذه المنضدة في الليل حين تنام أمي. أحدق في قنينة الكولونيا الخضراء، تلك التي كانت بجانب سريره ذلك اليوم حين كنا نحاول إفاقته، فأمسكت حينها تلك القنينة ورششت بعضًا من الكولونيا على رسغي الأيسر، وقرّبتها من أنفه على أمل أن يستنشقها ويفيق، لكنه لم يفعل بالطب...